شكراً لفرنسا التي تطوعت مشكورة لمحاولة فتح أبواب الحوار المحظور فتحها بين اللبنانيين بأوامر أميركية صارمة.
وأن تكون الإدارة الأميركية قد تدخلت فقمعت حماسة وزير خارجية العهد الجديد في باريس وحدَّت من طموحه إلى لعب دور في الحل الذي لم يحن موعده بعد، فذلك يؤكد ما ليس بحاجة إلى تأكيد وهو أن لفرنسا دوراً مساعداً لصاحب القرار في واشنطن ولكنها لا تملك أن تقرّر، حتى لو افترضت أنها تحقق بذلك مصلحة الغرب بقيادته الأميركية المفردة.
يمكن استذكار عشرات الشواهد، لمن نسي، وآخرها وأخطرها ما يتصل بالمداولات والمشاورات التي عطلت اتخاذ القرار في مجلس الأمن الدولي في شهر تموز من العام الماضي، لوقف الحرب الإسرائيلية على لبنان…
وبالنتيجة فإن القرار الذي صدر بعد مساومات مضنية قد خلا ولأول مرة في تاريخ تعامل مجلس الأمن الدولي مع الحروب من النص على الوقف الفوري للأعمال الحربية، لكي يعطي إسرائيل فرصة إضافية للتدمير في لبنان، بعدما كانت نائب الملك كوندليسا رايس قد أجبرت القيادة الإسرائيلية على مد زمن الحرب لعلها تحقق في المهلة الإضافية ما عجزت عن تحقيقه خلال شهر القتل الجماعي والجهد الاستثنائي لتدمير أسباب العمران.
… هي فرصة جديدة لإنعاش علاقة القادة اللبنانيين بالفرنسية كلغة تصلح للسياسة بعدما افترضوا أن عليهم هجرها ليدخلوا الغد بلغته الإنكليزية (ويحمدوا الله أنه لن يُفرَض عليهم أن يستمعوا إلى ترجمة من العبرية كما جرى لقيادات عربية خطيرة في قمة شرم الشيخ لتسوية الخلافات الفلسطينية بمشاركة إيهود أولمرت الإسرائيلي)..
وليس تندراً القول إن اللغة العربية لعيوب فيها، قد أثبتت عجزها عن استيعاب أسباب الأزمة الطاحنة في لبنان، وبالتالي عن ابتداع المخارج المطلوبة لحلها.
فمن الثابت، الآن، أن العديد من القيادات السياسية اللبنانية باتوا عاجزين عن التحاور بلغتهم الأم (وبينهم من لا يتقنها أصلاً)..
لعل الفرنسية تصلح معبراً إلى الأميركية ، خصوصاً أن فرنسا الديغولية قد اندثرت، والعهد الجديد في فرنسا يطمح إلى موقع أكثر قرباً من الإدارة الأميركية من سلفه الذي دخل الإليزيه باسم الديغولية ثم استغنى عنها حين اكتشف أنها باتت من الماضي.
في أسوأ الأحوال سيظل بوسع برنارد كوشنير أن يقول ما قاله عمرو موسى، في أعقاب فشل مبادرته اللبنانية (للمرة الثالثة..) من أنه لا بد من أن يبدأ العمل من الطابق الرابع (الدولي) نزولاً إلى الثالث (الإقليمي) فإلى الثاني (العربي) لكي يمكن إشادة الحل السحري المرتجى لأزمة لبنان.. بعد عمر طويل!
أما المدعوون إلى باريس كممثلين لقياداتهم فيمكن أن يمضوا إجازة قصيرة وممتعة لأن الحوار بالفرنسية سيمكّنهم من تمتين لغتهم الإنكليزية مقتربين من حل الأزمة التي تكاد تختصر حال العرب في هذه اللحظة الحرجة من تاريخهم الحديث!
وقبل سبعين سنة بالتمام والكمال عُقد مؤتمر لبناني مشابه (!!) في باريس قال فيه الراحل الكبير تقي الدين الصلح ما يمكن أن نستعير منه المعنى والعبرة اليوم… ولمن أراد التثبت من هذا الاستنتاج فليقرأ ما كتبه الرجل الذي أعطى كثيراً وأخذ أقل مما يستحق، (مقال تقي الدين الصلح ص 2).