طلال سلمان

تمديد و”الولد ضائع”

تكاد تتكرّر مع التمديد النكتة الشهيرة التي يلخصها السؤال الإنكاري: لمن هذا الولد الضائع، يا إخوان؟!
فكل »آباء« هذا الولد الضائع، وهو هنا »التمديد«، ينكرونه، أو هم على الأقل يتنصلون من »أبوته«، ويدفعه واحدهم إلى الآخر ليخلص من »همّه« والمسؤولية عنه حاضرù ومستقبلاً على وجه الخصوص.
وتصور كم سيكون مقنعù ذلك الذي يحاضر عليك في الضرورة الحيوية بل المطلقة للتمديد، ثم يختم كلامه قائلاً: على أنني لن أحمِّل نفسي ولا المؤسسة التي أرأس، أو أمثل، هذا العبء الذي هو من واجب »شريكيَّ« الآخرين في الترويكا،
أي أنه ببساطة، يختم محاضرته بأن يقرِّب الكأس المرة من »صديقه اللدود« طالبù إليه إثبات »إيمانه« بتجرعها كلها، ودفعة واحدة لو أمكن!
كل يهتف من أعماقه مستنجدù: اللهم أبعد عني هذه الكأس!
وكل يردّد في سره وأمام الخلّص من جماعته حيث »المجالس بالأمانات«: أعرف كما تعرفون أن التمديد أمر اضطراري تفرضه الضرورة، ولكن لا شعبية له،
لكن الكل يريد الحفاظ على »الشعبية«، أو استنقاذ شعبيته هو بالذات من مخاطر الذوبان والانفضاض عنه بينما هو يؤدي الواجب الذي تفرضه الضرورة!
ربما لهذا يتعامل الكل مع التمديد وكأنه »مهمة غير مستحبة«، مطلوبة ولكنها غير مرغوبة.
رئيس المجلس النيابي يقول فَزِعù: فليبعثوا إليَّ باقتراح تعديل الدستور فأقره، والمجلس سيد نفسه ومنه ينبع القرار ولكنه ليس أقل من غيره إحساسù بالمسؤولية في مراعاة الواجب والضرورة، وحماية مصالح لبنان والشقيقة سوريا.
ورئيس الحكومة يردّد متذاكيù: بل هي مهمة المجلس النيابي. أوَليس المجلس سيد نفسه؟! كيف لنا أن نفرض، أو حتى أن نقترح عليه إذن؟! ثم إننا نريد التمديد لرئيس الجمهورية، الذي يوقع كل ما يصدر عن مجلس الوزراء، فهل من اللائق أن نجعله يوقع طلب التمديد لنفسه؟!
أما الوجه الآخر لكلام رئيس الحكومة فيقوله حليفه الرقم واحد، الوزير والنائب وليد جنبلاط: لم يكن المجلس سيد نفسه في أي يوم، ودائمù يطلب إليه »الأقوى« فيلبي رغبته، وكم من مرشح نام رئيسù واستفاق ليجد أن الرئاسة ذهبت لغيره لأن كلمة السر جاءت ليلاً فبدّلت مواقف النواب جذريù، وأسقطت عن المجلس حقوق السيادة!
يبقى رئيس الجمهورية، وهو يعتصم بالمبدأ القائل: »طالب الولاية لا يولى«، تاركù لمن يرى في التمديد ضرورة أن ينجزها باعتبارها جزءù من خطته الاستراتيجية لما يدبَّر للبنان وسوريا وسائر الأرض العربية.
في ظل هذا المناخ غير الصحي، تكاد المؤسسات جميعù تذهب ضحية التمديد، أو أن المسؤولين عنها يتصرفون وكأن التمديد سيتم على حسابها،
الحكومة، بشخص رئيسها وهو يلخصها في أي حال، لا تعتمد قاعدة »الإيثار« مع المجلس النيابي إلا في هذا الأمر تحديدù، تاركة له أن يدفع الفاتورة الثقيلة بينما يظل رصيد »الرئيس الثالث« كبيرù بما يمكنه ليبقى إلى… ما شاء ا”!
في المقابل، يرى رئيس المجلس في تبنّي التمديد مباشرة إيذاءً لشخصه وطموحاته ودوره كما للمجلس المطعون في تمثيليته وفي قدرته على القيام بأعباء القيادة السياسية، ولو حتى كحلبة صراع بين التيارات والأفكار، وبالتالي كولاَّدة للحياة السياسية وكصاحب دور تاريخي في الانتقال بلبنان من الحرب الأهلية إلى السلم الأهلي. فهو يرى أنه بالكاد استنقذ لهذا المجلس شيئù من وظيفته الطبيعية، وبعض السمعة، بعد كل ما قيل في القانون المرتجل الذي انتُخب النواب على أساسه، ثم استنزفت المقاطعة بعض »شرعيته«، إلى أن أضعف روحه »الإرهاب بالتزكية« والعجز عن القيام بدوره كحسيب ورقيب للسلطة التنفيذية.
الأخطر أن كل هؤلاء الأطراف المتحالفين في دمشق المختصمين في بيروت، من دون إعلان الأسباب الفعلية للخصومة، ينسحبون من مسؤولياتهم تاركين ظهر سوريا مكشوفù لكل من أراد طعنها أو التشهير بدورها في لبنان.
الأطرف أن كلاً منهم يفعل ذلك مبررù فعلته بالقول إنه بذلك إنما يحمي سوريا وقيادتها ودورها القومي في مواجهة العدو الصهيوني!
على هذا لا يستغربنّ أحد ضآلة التأييد الشعبي والسياسي عمومù للتمديد،
فإذا كانت هذه هي حال »أبطال« التمديد والمستفيدين منه والشركاء في المغانم أمس واليوم وغدù، فلك أن تتصوّر حال الآخرين… أي عموم الناس الذين كانوا وما زالوا وسيبقون يدفعون الغُرم بينما يذهب الغُنم إلى »آباء« الولد الضائع ذاته!

Exit mobile version