أهدر العرب دماءهم، وأهدروا معها قيمتها المعنوية التي كان يمكن أن تحرّر بغزارتها وبتواصل سيلانها يومياً العالم كله، من مختلف أنواع الاحتلال العسكري، كما في العراق ومن حوله، والاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، كما في فلسطين المشطرة بين قبائل سلطتها التي لا سلطة لها على شبر واحد من أرضها.
ومنذ أن تفجّر الصراع على السلطة بين فريقيها اللذين أصابتهما لوثة الدم، خلا الجو لقوات الاحتلال الإسرائيلي الذي نصّب نفسه حكماً ومرجعية للبت في الشرعية ، فأخذت تتصيّد المجاهدين في الفريقين المشغولين عنها (وعن شعبهم) وهي واثقة أن المقاومة قد باتت من الماضي، وبالتالي فهي لا تغامر بجنودها الذين يتوغلون حيثما شاءوا ثم يعودون سالمين!
الأخطر أن إسرائيل باتت تستطيع أن تبيع مطاردتها للمجاهدين (السابقين؟!) في حماس لسلطة فتح في الضفة الغربية، وأن تتقاضى مكافأتها على شكل اجتثاث لمن تعرف من مجاهدي فتح في مدن الضفة جميعاً (الخليل، نابلس، جنين وصولاً إلى ضواحي رام الله وبعض أحيائها)..
أمس، وبينما كانت غزة تشيّع أحد عشر شهيداً من مجاهديها، وبينما كانت مدن الضفة قد فرغت، بالكاد، من تشييع شهداء الأيام الماضية، وهم يتوزعون على فتح والجهاد الإسلامي وحماس، طلع علينا رئيس الحكومة الطارئة، في رام الله ببلاغ عسكري مفاده أنه لن يسمح بوجود أية ميليشيا في الضفة الغربية .
حتى خبير أجنبي ما كان ليتفوّه بهذا الكلام الذي يكشف غربة قائله عن واقع فلسطين تحت الاحتلال… بل إن أعظم المفرّطين بالحق الفلسطيني تنازلاً لم يبلغ مثل هذا الإسفاف في هدر دماء المجاهدين.
بقي أن نذكّر بأن الطارئ على رئاسة حكومة أبي مازن في رام الله قد شكا من أن إسرائيل لا تطلق يده في مكافحة هذه الميليشيات التي تسميها إسرائيل المخرّبين ويسميها شعب فلسطين المجاهدين .
أهو قدر أن يحكم بلادنا الأغراب عنا أو المستغربون الذين يحاولون أن يحكمونا بعقلية الوكيل التابع للمندوب السامي في واشنطن؟!
أدر الطرف من حولك وحاول أن تحصي أعداد التكنوقراط الذين يحكمون لحساب الأجنبي ويتهمون شعبهم بالإرهاب!