لم يدفع بنيامين نتنياهو ثمنù غاليù لزيارته العربية الأولى،
واكتفت القاهرة التي استقبلته بموجة غضب عاتية (وإن كانت غير رسمية تمامù) بأن تسمع منه »لهجة مختلفة« في التعبير عن موقفه، كمرشح ثم كرئيس لحكومة إسرائيل، والذي أعلنه مرارù وتكرارù قبل أن يصلها، وبنبرات »حربية« بلغت ذروتها أمام الكونغرس الأميركي.
ومن المنطقي الافتراض أن الرئيس المصري حسني مبارك قد أسمع نتنياهو في الغرفة المغلقة غير ما قاله فيه وعن سياسته علنù، وأن يكون سمع منه كلامù مختلفù عن الذي أطلقه »بطل الانقلاب« السياسي في المؤتمر الصحافي المشترك.
مع ذلك لم تبدّل زيارة القاهرة صورة نتنياهو كثيرù، ويظل أن ما أخذه منها أكثر بما لا يقاس مما أعطاه خلالها.
وما من شك في أن نتنياهو سيسوّق النتائج الملتبسة لهذه الزيارة إسرائيليù، بالدرجة الأولى، فيطمئن القلقين إلى أن »الرفض العربي« له ليس نهائيù، وليس صلبù بحيث لا يمكن تفتيته أو تذويبه، وليس عقائديù بحيث لا يمكن تفكيكه.
كذلك فهو سيحاول تسويق سياسته، الملطّفة ألفاظها الآن من دون أن يتبدّل جوهرها، لدى الأنظمة العربية التي كانت قد اندفعت إلى وهم الشراكة مع إسرائيل، فاستقبلت رئيسي حكومتها السابقين إسحق رابين وشيمون بيريز، وفتحت مكاتب الاتصال، وباشرت علاقات »تجارية«، بتأثير الحلم البيريزي في »الشرق الأوسط الجديد«،
ويُخشى أن يتذرع بعض المسؤولين العرب من ذوي العواطف المشبوبة بالاستقبال المصري وبالكلام الملتبس الذي صدر عن المضيف كما عن الزائر المفروض عليه، فيعود كل إلى سيرته الأولى، وتتهاوى قرارات القمة العربية، وحبرها لما يجف، إلى جب النسيان، وسط صيحات التهليل بأن »ما أردناه قد تحقق« ولم يعد من ضرورة لسياسة المجافاة والتحسّب والاحتياط للنهج الحربي لحكومة التطرف الإسرائيلي.
لقد حاول نتنياهو تقديم بعض الرشاوى التافهة مصريù، بحديثه عن »مشروعات كبرى« مقبلة، وبعض التنازلات في الشكل فلسطينيù، وتحت ضغط الاحتياج الإسرائيلي إلى اليد العاملة الرخيصة أكثر منه لتفريج الأزمة الاقتصادية التي تكاد تخنق سلطة عرفات في غزة والضفة الغربية،
لكن أخطر الطروحات الإسرائيلية لعلعت مجددù وعلنù في القاهرة، بالتوكيد على توحيد القدس ورفض تقسيمها مرة أخرى، من دون أن تلقى رفضù جازمù، بل أن الموقف المصري جاء حذرù ومجاملاً إلى حد كبير حين اكتفى بالحديث عن حقوق المسيحيين والمسلمين في القدس، وكأنها مسألة بحت دينية منفصلة عن الهوية الوطنية (والتاريخية) للمدينة المقدسة، ومنفصلة أيضù عن صلب الصراع العربي الإسرائيلي.
وفي انتظار أن تتوضح الصورة الكاملة للزيارة العربية الأولى لبطل التطرف الإسرائيلي، فإن ما سمعه العرب يزيد من مخاوفهم ولا يخفف منها، خصوصù إذا قُرئ الموقف الرسمي المصري سياسيù وبمعزل عن مجاملات اللقاء الأول وعن أوهام تبديل نتنياهو بكرم الضيافة العربية.