على بعد امتار قليلة من المدينة الرياضية المجددة التي يتباهى بها اللبنانيون، الآن، كانجاز، تدور بين هؤلاء اللبنانيين انفسهم »اشتباكات« عنيفة حول نفاياتهم التي تتكدس من حول ذلك »الصرح« فتكاد تذهب بوهجه اضافة الى انها تكاد تذهب بصحة سكان الضواحي الجنوبية والشمالية وبعض الشرقية!
نزلت الطوائف الى الشارع المغلق بنفاياتها واتخذت قرارها الصارم بالتقسيم: لا تحرق طائفة نفاياتها في محرقة طائفة أخرى، ولا يقبل مكب نفايات هذه الطائفة نفايات تلك الطائفة، والا فالحرب!
للشويفات ومحيطها نفاياتها والمكب والمحرقة،
للحدث وبعبدا وفرن الشباك نفاياتها والمكب المحرقة
اما الضاحية الجنوبية، فحتى بعد »انفصالها« عن الضواحي الأخرى ذات الهويات الطائفية المختلفة، تبقى مشكلتها حادة: فسكان الضاحية من الشيعة جميعهم، لكن بينهم شيعة من اصول جنوبية، وشيعة من اصول بعلبكية، اضافة الى اهل المنطقة الاصليين (الغبيري، حارة حريك، برج البراجنة الخ)، ولا بد من تقسيم النفايات بحسب الاصول الجهوية للناس!
بالمقابل فالمتن الأعلى لا يقبل نفايات »مستوردة«،
وساحل المتن الشمالي يرفض ان يرميه من هم فوق بنفاياتهم بذريعة ان المكب في برج حمود،
الطوائف في الشوارع، على سلاحها، تزكم انوفها »الروائح العطرة« لنفاياتها
فتنتشي وتمضي في المعركة الى النهاية ومهما كلف الأمر!
فلتذهب البيئة الى الجحيم!
فلتذهب طبيعة لبنان الساحرة الى جهنم وبئس المصير،
اما صحة اللبنانيين فلا خطر عليها، فابن عشرة لا يموت ابن تسعة، ومن له عمر لا تقتله شدة، اما ومن يهلك فذلك قدره حتى لو كان يعيش في انظف حي بارقى منطقة من باريس!
الطوائف في الشارع: ولذلك يستحيل اجراء الانتخابات البلدية، ويمنع الناس البسطاء من ان يتولوا بأنفسهم ادارة شؤونهم اليومية عبر مجالس بلدية منتخبة ومسؤولة امامهم مباشرة،
الطوائف في الشارع: ولذلك يتعذر وقف الكسارات المهددة لاجمل مناطق لبنان بالقضاء المبرم على مصدر جمالها، اذ تحصن المتنفذون وغيلان الاشجار والمنظر الجميل ومفسدو الهواء النقي وراء طوائفهم، فلم يعد بالامكان وقفهم او منعهم من التهام »الاخضر« وزرع الامراض في صدور مواطنيهم الفقراء.
الطوائف في الشارع: ولذا تنقسم الحكومة فيصيبها الشلل، وتتعطل ارادة »سيد نفسه« فيغيب المجلس النيابي عن السمع، ولا يتبقى امام الوزير المتحضر غير أن يجأر بالشكوى مثله مثل أي مواطن مستضعف لا يجد من يحميه فكيف يطالب بحماية البيئة التي باتت واحداً من أبرز هموم العالم المعاصر، تنعقد من اجلها القمم وتتنافس الدول في اثبات حرصها على سلامة البيئة فيها وعدم تسببها في ايذاء الآخرين!
تكاد حماية البيئة تصبح شرطاً للانتساب الى العصر،
فافساد البيئة، براً او بحراً، جبلاً او سهلاً، وفي أي مكان، سيؤثر على المحيط الأقرب فالأبعد حتى يشمل الكون كله، تستوي في ذلك التجارب الذرية او »زرع« النفايات النووية للدول المتقدمة في أراضي الدول المتخلفة والمنبثة للسماسرة الذين يقتاتون باحداث مواطنيهم، او تلويث البحر، او اجتثاث الاشجار وكل عرق أخضر من أجل دك الأرض بمزيد من ابراج الاسمنت القاتل!
والطوائف في الشارع… وهي تسحب لبنان الى خارج العصر!
مع ذلك تجرؤ الاكثرية النيابية على الموافقة على اقتراح حكومي رديء بارجاء الانتخابات البلدية، وتبقي شؤون الناس اليومية معطلة، وتبقي الاملاك البحرية فريسة اطماع القادرين على مصادرتها، وتبقي المشاعات »جوائز« للنافذين والمحصنين داخل ادعاءاتهم بأنهم انما يمثلون طوائفهم وما فيه الخير لهم فيه الخير لها وبالتالي للبنان، عشتم وعاش لبنان.
لبنان ليس مهدداً بكارثة بيئية،
انه في قلب الكارثة،
مع ذلك لا يهتم احد لوقف هذه الكارثة او الحد من آثارها المدمرة،
ومع وعينا الكامل ان احداً لن يهتم بعد هذا الكلام
فلقد كتبنا لنسهم بدورنا بافساد البيئة بحديث الطوائف التي تحدها النفايات من جهاتها الأربع!