طلال سلمان

طلال سلمان وقيمة الصداقة

كان أول لقاء لي معه قبل أكثر من عشرين عاما حين جاء من بيروت إلى دمشق للسلام علي والتعارف، ومعه صديق مشترك هو جوزيف سماحة الذي لم يزر دمشق منذ أن غادر لبنان بعد حرب 1982 ومضاعفاتها.
ليست مناسبة تصحح فيها انطباعاتك التي شكلتها عن بعد بالقراءة والسمع، بل لحظات تبدأ فيها من جديد بسبب حضور ما يمكن أن يسمى “كيمياء” وجدانية تتمثل بالإحساس بالآخر: يسأل لأنه مهتم فعلا، ويصغي بصدق، التورط العاطفي في ما يعده مهما في الحياة، والانفعال من المؤثرات ذاتها، والضحك مما يبعث على الضحك دون تكلف الرصانة في اللقاء الأول.

التقينا على قضية فلسطين وما كنا نعده قضايا العرب. وربما لأن الأمر شخصي بالنسبة لكلينا، لم يعق خلاف مبدئي بشأنها تشكل هذه الصداقة. أصبح اللقاء معه من المحطات اللازمة في كل زيارة إلى بيروت، عدا لقاءاتنا في بلدان أخرى. عرف همومي وشاركني بعضها، وعرفت همومه وشاركته بعضها.

كان طلال قوميا عربيا، لا يكن أي مودة للأحزاب القومية وللخطابات والشعارات، وغير مستعد أن يصادق من يتفق معهم سياسيا لأنه يتفق معهم، بل كان يقضي الوقت مع من يستمتع بصحبتهم. غزير الدمع حين يتأثر بما يسمع، وقد يحصل ذلك وهو يروي لك أمرا مؤثرا. ذكرياته عن الناس، حكاياته وطرائفه ودعاباته، لا تنتهي، فقد عاش حياة عريضة.
عاطفي، بل شاعري، في الصحافة والسياسة. وسياسي براغماتي في الصحافة، إذ كان يدير مؤسسة كبيرة نسبيا صمدت في ظروف لبنانية سورية أكثر من معقدة. كان عليه أن يحميها ويتدبر أمورها، ويعوّد نفسه على التعامل مع من لا يحب وما لا يحب، لكي يتيح لغيره أن يكتبوا في السفير ما يحبون في حدود الصحافة، وأن ينتقدوه في أحاديثهم على ما يحتمل. وربما زال مع الوقت الحد الفاصل بين ما يحب وما هو مضطر له.
أما الزعامات اللبنانية فأتقن فن المجاملات والعلاقات الاجتماعية معها كجزء من متطلبات مكانة رئيس التحرير ومهامه.
وبعد عام 2011 زال عالمه الذي يعرف، والذي يمكنه التعامل معه. إذ نشأ واقع عربي جديد هامش المناورة فيه ضيق جدا، ولم يعد فيه لبنان فضاء صحافته أو متنفس صراعاته.
حين اضطر إلى مسايرة الظلم في أوقات حرجة لكي تستمر الصحيفة، لم يحوّل هذه المسايرة إلى موقف، لم يتعصب لها، ولم يتدهور إلى درجة المس بما يعده قيمًا أكثر أهمية في الحياة، مثل الصداقة.
جريدة المدن
Exit mobile version