رحل طلال سلمان، وهوى عمود آخر من أعمدة الصحافة اللبنانية والعربية. لا أدري كيف تكون الصحافة من دون طلال سلمان، وهو الذي أنشأ لها مدرسة تتلمذ عليها معظم الصحافيين اللبنانيين، فكانت “السفير” لكل قلم حر، منبراً لمن لا منبر له، ”جريدة لبنان في الوطن العربي، وجريدة الوطن العربي في لبنان”.
لم يرحل طلال سلمان اليوم.. هو رحل منذ غابت “السفير” التي كان يتنفس فيها ملء رئتيه. كانت بالنسبة له القلب والدماغ والرئتين والكبد. تدهورت صحته منذ ذلك الحين وعجز الطب عن علاجه، لأن “السفير” كانت داءه ودواءه ورداءه، تماماً كالصحافة التي أفنى عمره في سبيلها، فشهد زمن تألقها مثلما شهد عصر انحطاطها.
عرفتُ طلال سلمان منذ ولجت عالم الصحافة منذ ما يقرب من خمسة عقود، وصارت بيننا علاقة مودة لا تنفصم عراها، وامتدت إلى عائلتينا، وشهدنا معه أحلى أيام العمر وجلسات السمر التي كان طلال أمها وأباها. ومن خلال طلال ومجالسه صارت لي صداقات واسعة، وصار له مثلها أيضاً من خلال معارفي.
تأخرت قليلاً حتى ولجت باب “السفير” رئيساً لقسم المحليات السياسية، على الرغم من الإلحاح الدائم لطلال. وفي “السفير” زاملت خيرة محرري الصحافة اللبنانية، وجالست كبار الساسة والمثقفين والاقتصاديين، محليين وعربا وأجانب، حيث كان مكتب طلال سلمان لا يخلو يومياً من شخصية بارزة.
كان طلال سلمان شخصيتين في رجل واحد: شخصية صارمة حازمة مضنية داخل “السفير”، وشخصية مرنة ودودة لطيفة جداً خارجها. وبقدر ما أحببنا شخصيته خارج “السفير”، تفهمنا صرامته داخلها، وتعلمنا من هذه الشخصية الحرص الحريص على قداسة الخبر الصحافي الذي أبقى “السفير” مرجعاً إخبارياً صادقاً وموثوقاً لا تضاهيه أي مطبوعة أخرى. ويوم توقفت “السفير” عام 2016 عن الصدور بقرار موجع من طلال نفسه، عرفنا أكثر قيمة هذه الصحيفة التي تركت فراغاً لم يملأه أحد، بشهادة السياسيين والصحافيين والمثقفين والقراء على السواء.
يُعتبر طلال سلمان أحد أهم كتاب الأدب السياسي في الوطن العربي. كان قلمه جارحاً أحياناً، خاصة لمن يستحق التجريح، فتعرض لمحاولة اغتيال نجا منها بأعجوبة، لكن رصاصات الغدر ظلت ماثلة في فكيه، وقد أتيح له يوماً أن يعاتب المسؤول عن المحاولة، لكنه لم يسامح. وهو لم يهادن في قلمه أو يداهن. وحدهما فلسطين والمقاومة من ثوابت مبادئه التي لم تهن.
طلال سلمان الذي أقفل “السفير”، لم ينثن عن الكتابة، فكان موقع “السفير” الألكتروني رئة يتنفس منها قلمه الذي لم يتوقف عن العطاء، وكتب آخر مقالاته في زميله وزميلنا يوسف برجاوي الذي رحل قبل أسبوعين، وكان آخر سطر في مسيرته، ووضع نقطة نهائية على آخر السطر.
في رحيل طلال سلمان نتذكر “السفير” التي صنعها بقلمه وجهده وعرقه ودمه. طلال والسفير..غياب مرير.
رحم الله أبا أحمد.عزاؤنا مشترك. وخالص العزاء للسيدة الفاضلة أم أحمد، والأبناء هنادي وأحمد وربيعة وعلي، وإلى الأشقاء الأصدقاء فيصل وعصام ومحمد وجميع أفراد العائلة، وإلى الأسرة الصحافية والإعلامية.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
موقع الحوار نيوز