يمكن الفصل بين طلال سلمان وجريدة السفير، وبذات الوقت لا يمكن الفصل بين جريدة «السفير» بوصفها مرآة الأحداث والتحولات والأفكار والثقافة عن وقائع حياتنا، منذ أن عضدت سياقها التاريخي ودشنت انطلاقتها الباهرة.
ظلت جريدة «السفير» وطلال سلمان طلقتا وعي في فضاء عربي وفلسطيني أكثر منها فضاء لبناني بعينه، فهي من ظلّت خط الأفق للأقلام الملتزمة المحمولة على فكر صاف وانتماء عميق ورسالة إعلامية تجهر بالحق والجمال.
إذن في ذلك التماهي الخلاق ظلت «السفير» عنواناً بارزاً للتطلعات والآمال وفي أفق قومي وعروبي واضح، وعلى خط الرؤيا حمل طلال سلمان هذه الجريدة إلى العالم، سفيرة بحق لأنبل القضايا، وكم دفعت من أثمان من أجل ذلك كما دفع طلال سلمان تلك الأثمان قبل أن يوقف جريدته «2016» لا صوته العابر للأزمنة والأمكنة والفضاءات.
ولم تكن ـ السفير ـ هامشاً على متن الصحافة العربية، بل كانت متناً رئيساً ارتبطت بزمن القراءة والكتابة، فهي قهوة الصباح لكنها حديث المساء، وهي ساحة الاختلاف لا الخلاف، والرأي.
هكذا أرادها طلال سلمان الذي غادرنا وأقلامه مازالت هناك في ركن قصي على ذات الطاولة التي اعتاد أن يكتب عليها «هوامشه» التي ذيل بها كتبه ووثق بأناقة العارف اللحظات العصيبة في الذاكرة على اتساعها.
فضلاً عما أضاف إليها من أدبية باذخة ذهبت في إثر المعنى الذي تتشكل منه الذات في رؤيتها للعالم ومفرداته الكونية، كلمات رصّعها على جدارية السفير وأعاد تنسيقها لتصبح المتن/ الهامش، محقّباً وكاشفاً لكن بذات اللغة الإعلامية الثرية التي ستصبح بحق سكر صباحات القراءة ووردة مساءاتها الغافية.
طلال سلمان ذلك المتعدد والضمير المسلّح، والشاهد على تحولات وطنه، التحولات الكبرى، لمن يكن محايداً لا سيما إزاء أعدل القضايا قضية فلسطين التي قاربها في الوعي والفكر والحَجاج، لتكون «السفير» بهذا المعنى المنبر النهائي لها، وكيف لا وهو من اكتشف ناجي العلي ليحمل رسوماته إليها ويستحثه على المزيد منها.
طلال سلمان كان ولم يزل طلقة الوعي ذلك الخلاّق البناء فكراً وثقافة والتزاماً، ومن زياراته الجملية إلى سورية كان السفير بذاته، ليحمل من سورية زخماً إلى جريدته، وتحمل جريدته إلى العالم كل التوهج النبيل لمعنى التاريخ والجغرافيا والمواقف وفرادة الرؤيا، ومثله لا يرحلون إلا إلى الذاكرة الفسيحة، استنهاضاً ورمزاً وأيقونة.