طلال سلمان

طلال سلمان يرحل عارياً

لا نريد أن نذكر من بقي من رعيل الكبار، حتى لا يُقال أننا نستعجل رحيلهم. لكن الحقيقة أن عددهم بات قليلاً. هؤلاء الذين صنعوا تاريخ الصحافة العريق في لبنان، رحل الكبار، وثمة جيل جديد يحاول بعضه أن يحلق، وان يتسلق السلم، علّه يحقق شيئاً في الزمن الرديء.

اليوم، يغادرنا واحد من طينة هؤلاء العمالقة. اليوم يرحل طلال سلمان، وفي قلبه غصة كبيرة، لن تودعه “سفيره” بما يليق، كما فعلت “النهار” مع مؤسسها الفعلي، وصانع نهضتها، الراحل غسان تويني أو كما فعلت في تشييع شهيدها جبران الى الهناك.

طلال سلمان يرحل حزينا، هو أصلاً تبدل منذ اتخذ قراره “الجريء” بإقفال جريدة “السفير” ونعي الصحافة المكتوبة، بل الاعلام اللبناني. لم يعد هو طلال سلمان، خسر حيويته، فقد جزءاً منه.

مضى طلال سلمان في الطريق “المنطقية” في زمن الانهيارات، وتراجع الصحافة وإفلاسها المالي، وكذلك المهني، فيما مضت نايلة تويني بعكس السير، وتمكنت من المحافظة على “النهار” شامخة، قوية، تتحدى الرياح العاتية.

كان هذا الموضوع مثار فرح وحزن لطلال سلمان، كما أسر لي ذات مرة، لكنه كان يعتبر المسألة مسألة وقت فقط.

قال لي على هامش لقاء نظمته احدى الجامعات عن الصحافة، قبل سنوات أنه يحسد نايلة تويني على جرأتها في تحمل الأعباء، ويتمنى لها الاستمرار، وعدم خسارة كل ما تملكه في سبيل المحافظة على جريدة لم يعد قراؤها، كل القراء، أوفياء لها.

هذا الصراع أثّر سلباً على طلال سلمان، كان يعلم أن غياب “السفير” يعني خروجه من الحلبة، لكنه لم يكن ليعلم جيداً قساوة العزلة، وخصوصاً في زمن الحجر، حيث لم يتبق له من الجموع سوى حفنة.

لقد شعر بالتأكيد أنه كتب نهايته مع المقال الوداعي الاخير لجريدة “السفير”. مثله لا يستطيع العيش من دون الحبر والورق. يلعب بالكلمات، ويدير المعارك، ويستثير المواقف.

ترك له موقعاً عبر صفحة الكترونية لم تكن لتلبي طموحه وحاجته، “على الطريق” سماها، في تعبير حسي عن شعوره الحقيقي، لكنه لم يواظب على الكتابة فيها في الفترة الاخيرة، بل صار ينشر من قديمه حتى لا يغيب، قبل الغيبة الاخيرة.

في 26 حزيران 2022 أعاد نشر مقالة له منذ العام 1974 بعنوان “داخل الغرف” ومما فيها: المهم أن يكون المرء “صاحب” شيء في لبنان، زعامة، نفوذ، جاه، اقطاعية زراعية أو دينية، ميليشيا خاصة، أو رصيد خاص في البنك.. وهذا أضعف الإيمان..”. كأنه كان يشعر بأنه لم يعد يملك شيئاً، لا الجريدة، ولا النفوذ، ولا القرّاء، ولا الأصدقاء، ولا المال الذي خسره كما سائر اللبنانيين في المصارف.

شعر طلال سلمان بأنه عار، حتى الجسد صار واهناً، ولم يعد يقوى على المهمات الشاقة.

في العام 2019 نقل الزميل سامي كليب عن سلمان أنه “يحكي كيف لجأ الى تأجير كل طوابق مبنى “السفير” كي يعيل عائلته الكبيرة. وأبقى على طابقين فقط، واحد له ولمن بقي من مساعديه، وآخر سيحوله الى منتدى للقاءات الثقافية والفكرية باسم “منتدى السفير العربي”.

اليوم، يقفل طلال سلمان، الطابقين الأخيرين من مبنى “السفير”، ويقفل عائداً الى شمسطار مسقطه.

جريدة النهار

Exit mobile version