عندما كتبت الروائية المبدعة اميلي نصرالله روايتها “طيور ايلول” تبدى وكأنها تخاطب المغتربين باسم من تبقى من اهلهم في “بلد المنشأ”، يتبادلون الذكريات ويكملون القصص التي بترتها الهجرة قبل اكتمالها، فظلت خواتيمها معلقة كأشرعة بلا مراكب في عرض البحر…
ومنذ خمسة وثلاثين عاماً او يزيد نشهد هجرة معاكسة اذ يأتي من اوروبا إلى بيروت عشرات من الكهول والشبان والصبايا في موكب جنائزي للتضامن مع مئات النساء والكهول والعجائز والفتية وصبايا الحبق ممن فقدوا آباءهم واخوتهم الشباب في مذبحة صبرا وشاتيلا، خلال الحرب الاسرائيلية على لبنان، بعنوان الانتقام من منظمة التحرير الوطني الفلسطينية التي كانت قد انتهت اليه بعد طرد مقاتليها من الاردن إثر مذابح “ايلول الاسود” فيه خلال شهر ايلول 1970.
تضم هذه الوفود، عادة، مجموعات من المناضلين والمناضلات، بينهم نسبة ملحوظة من الشيوعيين والتقدميين الفقراء مادياً والاغنياء بمشاعرهم الانسانية واستنكارهم لوحشية العدو الاسرائيلي واستفراده العجائز والفتية واكواخ اللاجئين إلى مخيمي صبرا وشاتيلا، في قلب بيروت.
ومع مرور الايام توفي من توفي من الرواد، ابرزهم ستيفانو كياريني، الذي كان يجيء كالسنونو المبشرة بالربيع لينسق مع اللجان الفلسطينية في بيروت برنامج زيارة الوفد الآتي ليؤكد أن وفاة بعض المناضلين من منظمي هذه الرحلة التضامنية لن تلغي رحلة “طيور ايلول” إلى مخيمي صبرا وشاتيلا، بمن تبقى فيهما او ورث مجد الشهادة عن اهله.. فيجوب الوفد انحاء لبنان متوقفا امام مخيمات اللجوء الفلسطيني في صيدا وصور وبعلبك ونهر البارد في الشمال.
هل من الضروري أن نتحدث عن الخجل الذي نستشعره كلما جاء “طيور ايلول” من مختلف انحاء اوروبا لتذكيرنا بما ارتكبه العدو الاسرائيلي بالتعاون مع ميليشيا “القوات اللبنانية” ضد النساء والعجائز والاطفال في هذين المخيمين.. بين اهلهم في لبنان.