طلال سلمان

<الحاضنة عربية> تعود مجددا

لا يصلح الغرب، فرنسياً كان كما في الماضي، أو أميركياً كما في الحاضر (والمستقبل)، حاضنة للشأن اللبناني، لا في حالة السلم ولا خاصة في حالة الاضطراب السياسي وارتجاج الصيغة الناظمة للعلاقات بين اللبنانيين.
الحاضنة عربية بالضرورة، لسبب بديهي هو حماية هوية لبنان، وكرامة أهله الذين يتحمّلون مسؤولية خاصة عنه مهما كانت درجة ضعفهم..
و الحاضنة العربية يمكن أن تستبطن الغرب، وهو أميركي حتى إشعار آخر. وهذا ما كان في مؤتمر الطائف، حيث كان العرب هم الذين يتحرّكون (اللجنة الثلاثية: السعودية والمغرب والجزائر) في حين كان الأميركيون، ومعهم أوروبا، في الخلف يتابعون ويشيرون وقد يعدلون حتى في الصياغات، لكنهم يحرصون على أن يظهر الحل عربياً … ومن هنا الإصرار على عقده في الطائف وليس في غيرها.
ومن قبل، في قرار وقف الحرب الأهلية في لبنان و تشكيل قوات الردع العربية ذات الأكثرية السورية، كانت القمة المصغرة في الرياض ثم القمة العربية الموسعة في القاهرة الوعاء القانوني لتشريع دخول القوات العربية (السورية أساساً) إلى لبنان، في حين كان الغرب، ودائماً تحت الراية الأميركية، يشكّل الحماية الدولية للقرار العربي ، ويمنع إسرائيل من الاعتراض الجدي عليه.
اليوم، ومرة أخرى، تبرز الحاجة إلى الحاضنة العربية لأي مشروع حل للأزمة السياسية المعقدة التي تفرض على اللبنانيين أن يعيشوا في قلب الخوف من الانفجار الداخلي، في حين تغبطهم الجماهير العربية، مشرقاً ومغرباً، على ما تراه انتصاراً مشرفاً للبنان مجسداً بمقاومته الباسلة على إسرائيل التي أعادتها حرب تموز إلى صورتها الأصلية: العدو لمجموع العرب وليس لشعب فلسطين من بينهم على وجه التحديد.
وبعد خروج أو إخراج سوريا من لبنان في الظروف المعلومة، وسط نزعة الثأر بكل التداعيات التي حفلت بها وأساءت إلى ركائز العلاقات التاريخية الحيوية والضرورية للبلدين المتكاملين بالمصالح والمحكومين بالحياة معاً إلى الأبد، اشتدت الحاجة إلى هذه الحاضنة العربية ، حتى لا تأخذ الأغراض الغربية، والأميركية على وجه التحديد، الشعبين إلى قطيعة سرعان ما تتحول إلى عداء يدفع ثمنه اللبنانيون والسوريون غالياً من هناءة عيشهما.
ولأن اللبنانيين بحاجة إلى أي نسمة أمل فقد علقوا على عودة السعودية إلى الساحة ، ولو بشكل موارب وعبر خطوات حذرة، أهمية قصوى قد تتجاوز استعداد المملكة للمغامرة قبل أن تطمئن إلى نجاحها. ومن هنا فقد استبشروا بالمناخ الناشر للتفاؤل الذي عاد به الرئيس نبيه بري من لقائه مع خادم الحرمين الشريفين، أمس، خصوصاً أنه قد ربط على الفور بين زيارته الناجحة وبين مطالبته بأن تلعب المملكة دورها الذي لا غنى عنه في التخفيف من حدة التوتر في العلاقات اللبنانية السورية.
كذلك فإن اللبنانيين يتصورون أن مسألتهم ستكون بنداً أول على جدول أعمال الرئيس السوري بشار الأسد في زيارته إلى القاهرة المقررة اليوم، والتي تتسم بطابع اعتذاري عن بعض التعابير الحادة التي ارتجلها الرئيس السوري في خطابه الذي اتخذ من النصر اللبناني مناسبة لشن حملة قاسية على الحكام العرب من دون تسمية، ولكنها أثارت بشكل خاص غضب مصر والمملكة العربية السعودية.
ولعل اللبنانيين يندفعون، بضغط الاحتياج، إلى شيء من الأمل في أن تعود مصر مع المملكة إلى وصل ما انقطع مع القيادة السورية، بقصد التخفيف من حدة الأزمة بين دمشق وبيروت، وانعكاساتها السلبية على كل من البلدين، لا سيما أن الموقف من الحرب الإسرائيلية على لبنان قد فاقمها بدلا من أن تشكّل نقطة تلاق بين المختلفين على ما دون ذلك..
… ولطالما قال الرئيس الحص: علينا أحياناً اختراع الأمل.. ونرجو أن يولد الأمل شرعياً وعلى يدي الحاضنة العربية ولا يحتاج إلى عملية قيصرية.. وعلى أيدي الأجانب!

Exit mobile version