من المصادفات القدرية أن يجيء الاحتفال بالذكرى الخامسة والعشرين للمذابح التي نظمها وأشرف عليها الجيش الإسرائيلي بقيادة أرييل شارون في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين، متوافقاً مع انعقاد مؤتمر دولي في بيروت للبحث بإعادة بناء مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين، بعدما شردتهم المواجهة بالسلاح مع الإرهاب المصفح بالشعار الديني..
والحقيقة أن هناك كثيراً من وجوه الشبه أقله في النتائج، بين ما جرى في المخيمات الثلاثة، كما ان الضحايا كانوا في الحالتين فلسطينيين ولبنانيين، برغم اختلاف العدو ..
في صبرا وشاتيلا أخذ الغلط السياسي القائم على التعصب والانغلاق بالشعار الطائفي والذي كان لا بد ان ينتهي إلى عنصرية دموية، بعض التنظيمات الميليشيات اللبنانية إلى تنفيذ غرض العدو الإسرائيلي ضد من هم في منزلة الأهل من اللاجئين الفلسطينيين البؤساء والمكسورين بعد هزيمة قيادتهم السياسية ومشروعهم أمام الاجتياح الإسرائيلي في العام .1982
وفي مخيم نهر البارد تمكن الغلط السياسي الذي أنبت تنظيماً إرهابياً يرفع الشعار الديني ان يقاتل لأهداف خاطئة في المكان الخطأ والزمان الخطأ، وضد بعض أهله في عملية انتحارية كان لا بد ان تنتهي بمأساة مزدوجة ضحاياها من الجيش اللبناني ومن أهالي جوار المخيم، فضلاً عن تشريد الثلاثين ألفاً أو يزيد من أهالي المخيم الذي كان نموذجاً في التعايش بين المضيف اللبناني و ضيوفه من اللاجئين الفلسطينيين..
وإنها لمفارقة مفجعة ان يتنقل هؤلاء المناضلون، الذين يجيئون إلينا في مثل هذه الأيام من كل سنة وكان يتقدمهم الراحل ستيفانو كاريني لإحياء ذكرى ضحايا صبرا وشاتيلا، بين مخيمات البؤس الفلسطيني، وقد دمر بعضها الاحتلال الإسرائيلي بواسطة عصبوية طائفية مسيحية أعمتها الشوفينية في جوار بيروت، في حين دمر بعضها الآخر تطرف إسلامي أعماه التعصب والجهل عن التمييز بين العدو الحقيقي والصديق الحقيقي، فإذا به يقود عملية انتحارية دفع ثمنها غالياً اللبنانيون وجيشهم وكذلك الفلسطينيون في رزقهم وأسباب حياتهم، على بؤسها..
التطرف الديني قاتل هنا وهناك، وهو أعمى في السياسة هنا وهناك، وينتهي به الأمر في خدمة العدو الذي يزعم انه إنما حمل السلاح لقتاله..
والتطرف الديني يضيِّع الاوطان (فضلاً عن الدين ذاته) ولا يحفظها.. فلا هو الطريق إلى التحرير، ولا هو خاصة الطريق إلى الهداية وإعلاء شأن الإيمان والمؤمنين.
وها هي النتائج تشهد على الكارثة، لبنانياً وفلسطينياً، في المخيمات الثلاثة، مع اختلاف الظروف و الأبطال والشعار الذي يتسلحون به وهم يتوغلون في دماء أهلهم متوهمين أنهم إنما يحققون تقدماً في اتجاه المجتمع المطهر من رجس الكفار،..
وفي الحالتين فإن أعداء الوطن والأمة والدين كانوا المستفيدين في حين ان الوطن والأمة والدين كانوا بين الخاسرين!