ليس للاحتلال الإسرائيلي ضمانات »بعدم الإزعاج«، وليس لجنوده بوالص تأمين ضد الموت..
لكن بنيامين نتنياهو يطلب مثل هذه الضمانات وبوالص التأمين من »تفاهم نيسان«، وإلا… جرى التخطيط لاغتيال هذا التفاهم الذي يُساء فهمه أو أنه غير مفهوم أصلاً!
تلك لعبة مكررة ومكشوفة..
فكلما تبدّت الكلفة الباهظة للاحتلال على شكل جنازات وانشقاقات سياسية وانقلابات في العواطف والمواقف، جرّب المسؤول الإسرائيلي طريقة جديدة في الهرب من المشكلة فتسبّب في توليد مشكلة جديدة تضاف إلى عبئه الثقيل، خصوصا في لحظة حاسمة كالتي يعيشها رئيس حكومة التطرف الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
آخر ساحات العرض لمناورات نتنياهو الانتخابية: »تفاهم نيسان«!
صار »تفاهم نيسان« هو السبب في تساقط القادة المميزين و»النخبة« من الضباط والجنود الإسرائيليين داخل المنطقة المحتلة في الجنوب والبقاع الغربي (وأحيانا داخل الأرض المحررة).
وصار »تفاهم نيسان« هو القيد الذي يغل يدي نتنياهو وجنرالاته وجيشه الذي لا يُهزم، ويمنعه من تنفيذ التهديدات اليومية التي يطلقها ووزراؤه حول تدمير البنى التحتية في لبنان، وأهمها الكهرباء التي إذا أضاءت بيوت الناس البسطاء في بيروت وسائر المناطق عزَّ النوم على الجنرال كهلاني في تل أبيب.
وصار »تفاهم نيسان« الذي أنقذ بعض سمعة إسرائيل وجيشها الدقيق في توجيه قذائفه وصواريخه إلى أجساد النساء والأطفاء والشيوخ في معسكر القوات الدولية في قانا، »اتفاق إذعان« فرضه لبنان الجبار على الإسرائيليين في لحظة ضعف.. إنساني!
لقد جرّب نتنياهو، وهو ما زال يجرب، أن يظهر »تفاهم نيسان« وكأنه تنازل معيب تورّط فيه سلفه شيمون بيريز ليستنقذ رأسه من الغضب الأميركي (والدولي) بعد مجزرة قانا، فلا يخسر أول انتخاب رئاسي مباشر..
ولعل نتنياهو يريد لعب الدور مقلوباً: يزايد فيهدد بإلغاء »تفاهم نيسان« ليستدرج التأييد الأميركي في الانتخاب الرئاسي الثاني،
إنه يحاول ابتزاز أطراف التفاهم جميعا: الولايات المتحدة الأميركية أساسا، وفرنسا، ثم سوريا، وفي البداية والنهاية لبنان، فمن يريد إنقاذ »التفاهم« من سيف نتنياهو عليه أن يدفع له الثمن!
أبسط الأثمان وقف أعمال المقاومة أو (أقله) تجميدها في هذه الفترة الدقيقة التي تسبق الانتخابات (المبكرة) التي يصعب تقدير نتائجها بسبب الانشقاقات والتفسخات والخلافات التي ضربت الكتل الأساسية (والليكود بداية)، والتي نقلت العديد من »الرموز« من هذه الخانة اليمينية الى الشعار اليساري وبالعكس..
إنه يتصرف، بل ويقول ما يفيد وكأن »تفاهم نيسان« مطلب لبناني،
وهو يحاول استغلال »تفاهم نيسان« لوقف »الحالة التخريبية« التي نشأت بعد تحرير أرنون، والتي أربكت الجيش الاسرائيلي فتعذر عليه إيجاد سبل للتعامل مع متظاهرين مدنيين لا يحملون سلاحاً.
لقد أسقط الطلاب حواجز الأسلاك الشائكة فعادت أرنون »التي كانت دائماً تحت السيطرة الإسرائيلية« الى الحرية، وتلك سابقة خطرة يمكن تكرارها على امتداد الشريط المحتل.
على لبنان، إذن، إذا أراد استمرار »تفاهم نيسان« أن يمتنع عن العمل لتحرير أرضه، ليس فقط بأعمال المقاومة وتضحيات مجاهديها البواسل، بل أيضا بالتحرك السلمي، وبجهد »المدنيين الذين لا يحملون سلاحا««، كمثل طلاب الجامعات والفلاحين وتلاميذ المدارس..
وعلى سوريا، إن هي أرادت استمرار »التفاهم« أن تمتنع عن دعم لبنان ومقاومته، بل أن تضغط عليه لوقف المقاومة التي يُراد تصويرها وكأنها موجهة ضد »التفاهم«! وليس ضد الاحتلال.
وعلى فرنسا أن تخرج من الموقف الوسطي الذي تحاول به أن ترضي الجميع!
وعلى الولايات المتحدة وهنا بيت القصيد أن توظف »تفاهم نيسان« للضغط على سوريا ولبنان بحيث يتم »تجميد« المقاومة، فتهدأ الجبهة تماما، ليتمكن نتنياهو من القول إنه أوقف مسيرة الجنازات، وأنه هو وحده وليس أي شخص آخر »الزعيم القوي لإسرائيل القوية«.
كأنما على لبنان أن يدفع الثمن من دماء أبنائه مرارا: من أجل الوصول إلى »تفاهم نيسان«، ومن أجل استمرار »تفاهم نيسان«، وحتى لا يسقط »تفاهم نيسان«!..
هي حرب جديدة يفرضها نتنياهو لحماية الاحتلال وصورته كزعيم مطلق للتطرف، وفي الوقت نفسه كمحاور أوحد للعالم أجمع وبشروطه، تستوي في ذلك الإدارة الأميركية أو الحكومة الفرنسية (وسائر أوروبا) وصولا الى سوريا ولبنان ومن ضمنه المقاومة الباسلة فيه.
إنها الوجه الآخر لمناورته المكشوفة في إعلان القبول المشروط للقرار 425.
إنها الحرب المضادة للمقاومة وللصمود،
وهي حرب الأصوات داخل إسرائيل بقوى النفوذ والتأثير خارجها،
وبين أسلحتها »كلاب اقتفاء الأثر«، كالتي تقول تل أبيب إن واحدا منها قد لقي مصرعه في أرنون فكشف وجود عبوات معدة لتفجير عناصر جيش الاحتلال الإسرائيلي!
ونتنياهو يطرح مناورته ثم يرسل »كلاب اقتفاء الأثر« لاستكشاف مدى نجاحها في العواصم البعيدة، وقبل أن يعلن فشلها يبادر إلى إطلاق مناورة جديدة.
إن نتنياهو يريد أصوات الإسرائيليين أحياء وأصواتنا موتى!