لليهود في انتخابات إسرائيل صوت واحد و»للعرب« صوتان:
لعرب »الداخل« من أهل فلسطين صوت،
ولعرب »الخارج« من أهل »العملية السلمية« صوت ثان،
وليست مبالغة أن يُقال إن هذا الصوت العربي الثنائي الفعل هو الصوت المرجح في انتخابات إسرائيل، مبدئيù، وفي سياساتها عمومù، لو أنه….
لو أن هذا الصوت، في الداخل وفي الخارج، موحد، أو منسق أو مرتبط بخطة ما، وليس مجرد »كم« يُنقص غياب الهدف السياسي من دوره ومن وزنه ومن تأثيره على المشروع الإسرائيلي سواء بصيغته البيريزية »المعتدلة« أم بصيغته الليكودية »المتطرفة«.
فأخيرù فقط انتبه الفلسطينيون إلى حجم أصواتهم، وبالتالي إلى قدرتهم على التأثير في تغليب اتجاه إسرائيلي على اتجاه آخر، لا سيما في ما يتصل بمستقبلهم فوق »أرضهم« المحتلة، أو بمستقبل الجزء الآخر من شعبهم فوق الجزء المتبقي من أرضهم التي تخرج منها القوات الإسرائيلية من دون أن يخرج منها الاحتلال أو تخرج عليه.
وأخيرù، فقط، انتبه العرب المصدقون بالمشروع الأميركي الإسرائيلي للسلام، الى أنهم يستطيعون أن يعدِّلوا في كفتي الميزان إذا ما هم وظفوا موقفهم في خدمة أهدافهم السياسية… السلمية.
لكن الافتقار إلى الحد الأدنى من التماسك، حتى لا نقول التكامل، وغياب أي نوع من التنسيق، والخوف من »شبهة« الموقف المشترك، حتى لا نقول الموحد، كل ذلك مجتمعù أدى إلى إضعاف الصوتين معù.
صوت الخارج أضعف صوت الداخل، بدل أن يتقوّى به ويقوّيه،
ومع اعتماد الهرولة سياسة رسمية للعديد من الأنظمة العربية فإن صوت الداخل انفصل بالخشية عن صوت الخارج، وبات يحذر إضراره به لمبالغة بعض الحكّام العرب في سخائهم وتبرعهم بما لم تطلبه إسرائيل منهم وربما بما لم تكن تطمع في الحصول عليه، أقله بهذه السرعة ومجانù ومن قبل أن تستعد للحصول عليه.
كان التبسيط المخل هو السيد، كالعادة،
قال أصحاب صوت الخارج: نحن مع الادارة الاميركية، ومع مشروع »سلامها« في الشرق الاوسط، و»فارس« الادارة الاميركية في الانتخابات الاسرائيلية وموضوع رهانها هو شمعون بيريز، فلماذا اضاعة الوقت والتحفظ ووضع الشروط؟! للمرجع حق الطلب، اما نحن فنعطي بغير شرط ثقة منا بنزاهة الرئيس كلينتون وبحرصه على اتمام صفقة السلام!
وقال اصحاب صوت الداخل: اما نحن فلم نعد نملك خيارنا، ان شريكنا في اتفاق اوسلو هو حزب العمل وزعيمه (الجديد) بيريز، فنحن معه بغير تردد، ومجرد التفكير بتعديل في موقفنا او بوضع شروط على تأييدنا يضعف شريكنا ويقوي خصمه المتطرف الذي يقاتل حلمنا بأي شكل من اشكال »الدولة« و»الكيان السياسي«. اننا ان ترددنا حملنا الى الحكم »عدو« مشروعنا »للاستقلال«، على هشاشته.
في غياب الخيار تضمحل القوة وينعدم التأثير وتندثر قيمة العدد،
إذا كان الكل محكوما بموقفه المؤيد لشمعون بيريز فما الذي سيضطر بيريز الى المحاباة او دفع الثمن للموقف المجاني او حتى مجاملته؟!
بل ان هذا الواقع ادى الى نقيض المتوقع تماما؛ اذ كان على بيريز أن يحاول التخفيف من تأثره بالصوت العربي، ومن قدرة هذا الصوت العربي (داخلا وخارجا) على »حرفه« عن مساره الاصلي باعتباره »الأقوى« و»الاصلب« حتى لا يستغل خصمه نتنياهو »ضعفه« وينال منه مقتلا،
وهكذا انتهى الأمر بالصوتين الى الاعلان انهما معا ضد نتنياهو، ولكن من دون الجهر بتأييد شمعون بيريز، »خيارنا بين سيء واسوأ، ولذا فبديهي ان نختار السيء«، على حد قول واحد من أبرز وجوه »عرب الداخل«!
ضد نتنياهو… لأن الأميركيين فضلوا عليه بيريز لانه يوافقهم على مشروعهم للسلام، من ضمن خطتهم المعلنة للهيمنة المطلقة والدائمة على المنطقة من المحيط الى الخليج وبالعكس..
ولكن؛ كم كلفة هذا المشروع للسلام الاميركي، عربيا وفلسطينيا بالذات؟
المهم ان العرب »تفرجوا« على الديموقراطية الاسرائيلية، وزكوها امام انفسهم وامام العالم بأجمعه.
لم يحصل في التاريخ ان نال اي احتلال مثل هذه التزكية الشعبية العارمة لديموقراطيته التي بالكاد أمكن »للعرب« ان يتفرجوا عليها ومنعوا من المشاركة فيها حتى لا يفسدوها،
وهذا أخطر الدروس المستفادة من محنة الصوت العربي في الانتخابات الاسرائيلية: فلكي يدلل العربي على ديموقراطيته كان عليه ان يقترع لواحد من المتنافسين الاسرائيليين على »استعباده«، في الحاضر وفي المستقبل، فإذا امتنع فهو عدو للديموقراطية ويستحق ان يباد بتهمة الارهاب!
وربما عاقبه حاكمه الذي يقاتل اي معلم للديموقراطية في بلاده، باعتبار ان ديموقراطية اسرائيل تكفي الجميع!