ترتسم في الأفق ملامح مستقبل أفضل لهذه الأمة العربية بمختلف أقطارها.
لقد استعاد الشعب العربي حيويته التي ضيعتها عهود القمع وملاحقة المعترضين والطامحين الى أن يكونوا اصحاب القرار في بلادهم.
لم تكن مفاجأة أن تتفجر جزائر المليون شهيد بالثورة ورئيسها المصاب بالشلل يرفض مغادرة منصبه السامي كرئيس طامح الى ولاية رابعة وربما خامسة وسادسة.
ولقد اضطر في النهاية الى التنحي، خصوصاً وقد تخلى عنه الجيش احمد قايد صالح وان تقدم رئيس أركانه ليتولى السلطة (مؤقتاً) وها نحن في الشهر السابع للانتفاضة، وما زال الحكم في يد الجيش، وان كان قد خفف من قبضته في الشهور الأولى ثم قدم “تنازلاً” مؤثراً بتحديد موعد للانتخابات النيابية بعد شهرين (منتصف كانون الأول المقبل).. وبعدها يمكن السماح بانتخابات رئاسية. وقد رفض الشعب هذا التحايل المكشوف على الانتفاضة السلمية الرائعة، وريثة ثورة المليون شهيد.
كذلك تفجر الوضع المهترئ في السودان بعد رئاسة المشير حسن البشير الذي امتد 30 سنة، بعد ثورة شعبية مهيبة شغلت جماهيرها شوارع الخرطوم والخرطوم بحري وسائر المدن والقصبات لأسابيع متتالية.
ولم يتخل السودانيون والسودانيات عن طيبتهم وابتساماتهم واصرارهم على التغيير… وحين حاول الجيش التحايل عليهم ومخادعتهم بانقلاب عسكري اعتقل فيه البشير وتم سجنه تمهيداً لمحاكمته، لم تعد الجماهير الى منازلها بل هي صمدت خلف مطالبها، خصوصاً وقد اشتبهت بتدفق “الشرهات” من بعض الدول العربية النفطية لشراء الثورة أو استرهانها “بالمساعدات” و”القروض” “الترهات”..
لكن الثوار ظلوا صامدين حتى تم تشكيل حكومة برئاسة عبدالله حمدوك وعضوية العميد محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي” وتم تكليف الجنرال عبد الفتاح البرهان بالرئاسة مؤقتاً وفي انتظار الانتخابات النيابية التي يفترض أن تعيد السودان الى الحكم المدني.
أما تونس فقد أكملت مسيرتها الديمقراطية وانتخبت رئيسها الجديد قيس سعيد، وهو خبير محترم يحمل كفاءات علمية عالية، هادئ السمات، رفض بعد انتخابه أن يقيم في القصر الجمهوري إلا خلال الدوام الرسمي على أن يعود الى بيته الشخصي ليبيت فيه مع عائلته، كأي مواطن عادي.
ولقد كان خطاب هذا الرئيس المختلف عن كل من عرفنا حتى اليوم، مختلفاً جذرياً عن الخطب المدبلجة للملوك والرؤساء وأمراء النفط والغاز، والطموح الى توسيع مساحة النفوذ المذهب بالقوة خارج بلادهم، كما تشهد اليمن بشمالها والجنوب… فهو لم يطلق الوعود بالرخاء والازدهار في غمضة عين، ولكنه دعا التوانسة الى بذل الجهد من أجل أن تعود “تونس الخضراء”، خضراء!.
لقد كانت تونس رائدة في الانتفاض احتجاجاً ضد حكم العسكر، بعد أن أحرق ذلك المواطن الفقير والطيب فيها محمد البوعزيزي نفسه احتجاجه على إفقاره وتجويعه، وهكذا تحرك الشعب في ثورة بيضاء انتهت بهرب الدكتاتور بن علي وزوجته حمالة الذهب، حيث استضافته السعودية أكثر من ثماني سنوات من 14 كانون الثاني 2011 ولغاية وفاته في 19 ايلول 2019 في منفاه المختار.
أين الرئيس المنتخب شرعاً؟
ان موجبات التغيير في مختلف الدول العربية أكثر من أن تحصى، وهي تشمل الى السياسة الاقتصاد والاجتماع، مكافحة الفساد وحماية ثروات البلاد واسقاط الدكتاتوريات، ملكية وعسكرية وأميرية، ومصادرة بعض ما نهبته وتختزنه من ثروات البلاد، بينما “الرعايا” يعيشون الفقر والعوز.. وتتزاحم طوابيرهم في أروقة المطار في بيروت خاصة وفي عواصم عربية عديدة لركوب أول طائرة تحملهم الى… مستقبلهم المجهول في بلاد الله الواسعة.
ليس في الوطن العربي دول كثيرة يحكمها رئيس منتخب شرعاً وبإرادة شعبه.
بداية، لا بد من استثناء الممالك والامارات فاحشة الغنى بثروات النفط والغاز، إما لأن “شعوبها” قليلة العدد حتى ليمكن اغراقها بالذهب اصفر وابيض، وإما لان المملكة التي اخذها الوهابيون بالسيف، وحولوا مهبط الوحي على الرسول العربي محمد بن عبدالله والدين الحنيف الى مملكة لقبيلة جهدت طوال مائتي سنة او يزيد للاستيلاء على ارض النبوة واستغلال الدين بشعاره مع السيف، واحتكار ثرواتها الخرافية بعيداً عن الشعب قليل العدد المنتشر في ارض بحجم قارة من الصحارى ابرز معالمنا الربع الخالي… الذي ربما كان يختزن كميات اضافية من الغاز والذهب الاسود.
مؤخراً فقط، وبعدما خلع الملك سلمان بن عبد العزيز ولي العهد الأمير مقرن المعين قبل تسلمه العرش، ثم ولي العهد الثاني الذي عينه جلالته، الامير محمد بن نايف، جاء اليه الأمير محمد بن سلمان ليجبره ـ راكعاً ـ على التنازل له عن ولاية العهد.. ولم يكتف بهذا بل امر بسجن بعض اولاد عمومته وبعض كبار التجار واثرياء النفط والشرهات والمال الحرام، وأخذوا الى أفخم “سجن” في المملكة، وهو فندق ريتز، واجبروا على تنازلات شتى تتناول الثروات والقصور والحريم.. لمصلحة “ابناء العم” حماة البيت الحرام.
وهكذا دخلت المملكة عهداً جديداً بقيادة امير تعلم داخل المملكة ولا يعرف العالم ولا أي من اللغات الحية.. حتى الانكليزية!
أما الامارات ذات شيوخ الحكم الثلاثة: ولي العهد الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، بينما الحاكم الفعلي للدولة الأغنى هو الأخ غير الشقيق الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بالشراكة مع حاكم دبي محمد بن راشد (وهو لا يقل غنى عن حكام ابو ظبي بمن فيهم رئيس الدولة..)
أما البحرين فمستعمرة بريطانية سرعان ما اتخذها الاسطول السابع الاميركي قاعدة لها، في حين اشترت السعودية اميرها بعقاله المذهب واقامت فيها قاعدة عسكرية لها لمواجهة النفوذ الايراني ـ بذريعة انه يحمي الاكثرية الشيعية من اهلها).. من غير ان ننسى، انها كانت مستعمرة بريطانية.
فأما امارة قطر العظمى فأمرها معروف: عندما ظهر الغاز عند شاطئها خلع الامير الجد اباه ونفاه، ثم خلع الامير الابن اباه الحاكم، اما الامير الثالث فقد غاب في يخت ملكي تاركا الحكم لابنه الشيخ تميم قبل ان يخلعه..
وللحديث بقية عمن تبقى من حكام العرب ملوكاً ورؤساء وامراء، لعلنا نفهم سبب تردي اوضاعنا، كعرب، الى حد الخوف من الخروج من العصر.. عائدين الى جاهلية القرن الواحد والعشرين معززة بالذهب الاسود (النفط) والذهب الابيض (الغاز).
ماذا تريد اسرائيل اكثر من هذه الوقائع المفجعة لتنتصر على هذه الامة المقهورة بحكامها الذين يسرقون منها.. غدها؟