ما يجري في اليمن ولشعبها جريمة ضد الانسانية، بأبشع معانيها ودلالاتها وارتداداتها على سمعة الأمة جميعاً..
الأخطر والأقسى على النفس أن من يرتكب هذه الجريمة الشنيعة هم “اشقاء” بل أن بينهم من يتحدر من اصول يمنية، كما كان يتباهى الشيخ زايد بن سلطان الذي اتيح له أن “يخلف” شقيقه الشيخ شخبوط غير المؤهل للحكم والذي كان يجلس على كل المال الذي لديه، لا سيما بعد بدايات اكتشاف النفط وتدفق الثروة ومشغليها والمنتفعين بها والمنافقين وتجار المتعة ومنظمي الرحلات الاسطورية.
لكن الشيخ زايد لم تُسْكره الثروة، واهتم ببناء بلاده، وتوطيد ركائز الاتحاد مع الامارات (او المشيخات) المتصالحة، وارجاء التصادم مع إيران حول الجزر المتنازع عليها، ودار ينثر الخير في مختلف البلاد العربية التي تحمل شوارعها في المشرق كما المغرب اسمه، شهادة بصدق عروبته وشهامته.
لا زايد الآن في الامارات، وولده غير البكر والحاكم الفعلي الشيخ محمد بن زايد ليس فيه من صفات ابيه الا النسب.. فهو يعامل نفسه ويفرض على الآخرين أن يعاملوه بثروته (ثروة بلاده) التي تضاعفت مئات المرات عنها في ايام أبيه.. وربما لهذا تنامت لديه حمى الامبراطورية، فأخذ يبني جيشاً من المرتزقة، عربا بالأساس، ومن غير العرب (باكستانيون، افغان، تركمان، اوزبكستان الخ..) إلى أن اهتدى إلى الاختراع الاميركي (البلاك ووتر).. فالتفت إلى الدنيا من حوله فاذا الفراغ في السلطة يكاد يكون عاما: السعودية يحكمها امير عجوز (عبدالله) وولي عهده (الامير سلمان) اكثر منه عجزاً، وقطر يحكمها امير مغرور خلع اباه “بالتراضي” وأغرته ثروة الغاز بمنافسة سلاطين النفط خصوصاً وان والده كان سبقهم إلى الاعتراف بإسرائيل وإقامة قاعدة عسكرية عظمى في منطقة العيديد، متذرعاً بعجزه عن مقاومة السعودية ومن معها، ولذلك فقد لجأ إلى القوة التي لا تقهر، اميركا، فنصحته بالاعتراف بإسرائيل لكي تضمن أمنه.. ثم حول العيديد إلى قاعدة اميركية، ونثر كثيراً من الذهب لاسترضاء سوريا، وسبق إلى التبرع لإعادة اعمار لبنان بعنوان جنوبه الذي دمرته الحرب الاسرائيلية.
تعاظم كل حاكم صغير بثروته، فامتلأت دنيا العرب بالإمبراطوريات: ابو ظبي امبراطورية، وقطر امبراطورية، والسعودية مشروع امبراطورية عظمى في عصر الملك سلمان المعزز الآن بولي عهده الامير محمد الذي خلع الاعمام وابناءهم ورجال الاعمال المتواطئين معهم في عمليات النهب واستغلال النفوذ في الداخل والخارج.
ولان للإمبراطورية مطامعها، فقد التفتت السعودية إلى عقدتها الابدية: اليمن.. مستغلة تقلبات وانقلابات الرئيس الراحل الداهية علي عبدالله صالح الذي لعب على الحبال جميعاً، وكان يعتبر نفسه عميد الحكام العرب. ولقد اطال صالح عمر حكمه باستغلال الخلافات القبلية والانشطار المذهبي في الداخل (زيود وشوافع) الذي لعبت عليه دول كثيرة: السعودية (ومصر ضمناً) وايران.. ثم تقدمت الامارات مطالبة بحصتها من كعكة اليمن.
بعد حين تفجرت اليمن بانتفاضة شعبية عارمة كانت قيادتها مشتركة بين الحوثيين وحزب علي عبدالله صالح.. ثم انتثرت كميات من الذهب السعودي فانقسم اهل الانتفاضة بأفضال تقلبات صالح وذكريات انقسام اليمن بين جنوب بأكثرية شافعية والشمال بأكثرية زيدية..
وكان بديهيا أن تتحرك ايران، خصوصاً وقد وجدت في الزيود متكأ..
تفجرت الحرب بهجوم سعودي واسع يستهدف الثأر التاريخي من اليمن التي استعصت، في زمن مضى على السعوديين.. وكان الملك عبد العزيز آل سعود قد اضطر إلى وقف الحملة على اليمن التي قادها، في ماضيه، نجله الامير فيصل..
ولقد تمددت الحرب فشملت العاصمة صنعاء والعديد من الجهات ابرزها تعز.. وقصف الطيران السعودي بلا اشفاق ولا رحمة المدن والقرى والدساكر اليمنية شمالاً وشرقاً وغرباً. ولقد فاقم الكارثة انتشار وباء الكوليرا في هذه البلاد الفقيرة حاصداً آلاف الاطفال، ولا من يعالج..
على أن المفاجآت تجلت في تعاظم دور الامارات العسكري (على الارض) في هذه الحرب التي كان الطيران السعودي ومعه الاماراتي يتوليان تدمير مراكز الحضارة.
..ها هو الاسطول الحربي الاماراتي يفاجئ العالم بوجوده، فيحتل جنوده جزيرة سوقطرة، ثم تتعاظم قوته اسطوريا فيهاجم المرفأ الاهم في اليمن: مدينة الحديدة.
وهكذا فان امبراطورية الامارات تدعي انها تقاتل إيران في اليمن، رافعة شعار صد الغزو الفارسي. فتكتمل لوحة بلد الخراب في ارض الحضارة الأولى: اليمن.
الامم المتحدة شاهد زور، وجامعة الدول العربية تعتمد شعاراً مثيراً: لم عرفنا، لم رأينا، لم سمعنا… ومصر ـ السيسي متواطئة مع السعودية والامارات بالثمن، وإيران تخسر ـ إذا خسرت ـ من فائض الارباح وليس من رأس المال… واليمنيون يشيعون قتلاهم، على مدار الساعة.
الإخوة ـ الاعداء يقتلون الحضارة بجنود مرتزقة، تقليداً لعسكر “بلاك ووتر”، ولا من يشفق او يعين..
والغد العربي الافضل يبتعد حتى ليصعب تخيله وكيف يمكن أن يولد من زواج حرام بين ولي عهد يعامل نفسه كفاتح فذ، يسجن ابناء اعمامه بل وبعض اعمامه وكبار العهود السابقة في مملكة الصمت والذهب وبين ولي عهد آخر يعامل نفسه كإمبراطور جاء في زمن متأخر ولكنه يتوهم ان بوسعه بناء امبراطورية من وهم بفضل الذهب والغرور وانكسار العرب حتى افتقاد الهوية..