مع بدايات نهوض الامة وتحرر دولها التي استولد الاستعمار البريطاني والفرنسي معظمها، عمدت “الامبريالية” وهي النسخة المطورة من الاستعمار القديم إلى ابتداع صيغة الاحلاف بين الاقوى والاضعف للهيمنة على المنطقة العربية تحت وهم المشاركة: كانت البداية “مشروع ايزنهاور” (الرئيس الاميركي الاسبق)، ثم “حلف الدفاع المشترك”، وبعده “حلف بغداد” الخ..
وبعد حروب نجح في معظمها العدو الاسرائيلي (مع اسناد اميركي مفتوح) بإلحاق الهزيمة بالجيوش العربية، مصر وسوريا اساسا… تمكن هذا العدو وبالتغطية الاميركية و”العربية” الواسعة من إلحاق الهزيمة بالمقاومة الفلسطينية التي كانت قد استقرت في لبنان لتتخذ من جنوبه منطلقاً لعملياتها الفدائية ضد العدو الاسرائيلي.. لكنها سرعان ما غرقت في رمال الطوائف والمذاهب المتحركة في لبنان.
ولقد اضطرت قوات الاحتلال الاسرائيلي إلى الجلاء من لبنان بعد مقاومة شرسة وبطولات نادرة بذلها المجاهدون، في السابع عشر من ايار 2000… لكن العدو حاول الانتقام لإخراجه بالقوة من الارض اللبنانية فشن حربا شاملة على امتداد شهر تقريبا (من 12 تموز حتى 13 اب 2006)، لكنه مُني بالهزيمة، واستمتع اللبنانيون وسائر العرب بمشاهدة دباباته تحترق وجنوده يعولون وإحدى مدمراته تحترق في البحر، امام شاطئ خلده، وقواته تضطر إلى الانسحاب صاغرة، مغطاة بالقرار الاممي 1701.
ها هو الرئيس الاميركي الذي لا يكف عن الثرثرة، سواء مباشرة او عبر تويتر، يبتدع مشروعاً استعماريا جديدا تحت عنوان “صفقة القرن” التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية وتمكين اسرائيل من قهر ارادة الامة العربية، مجدداً..
ومن اسف فان بعض الدول العربية قد وافقت على حضور مؤتمر دعت اليه الادارة الاميركية في البحرين، لطرح هذه الصفقة الجديدة.. لكن اكثرية الدول العربية، في الجزيرة العربية كما خارجها رفضت او انها ترددت في قبول هذه الدعوة ـ الكمين.
وبطبيعة الحال فلسوف نشهد حملة بروبغندا هائلة تروج لهذا الحلف الاستعماري الجديد.
لكن مصير هذه “الصفقة” لن يكون افضل من مصير حلف بغداد او مشروع ايزنهاور، او مشروع الدفاع المشترك..
وها هي الانتفاضات العظيمة في الجزائر والسودان تعطي العنوان للمرحلة المقبلة من هذا “القرن” الذي ترعى فيه الولايات المتحدة الاميركية المشروع الاسرائيلي لهذه المرحلة الرديئة من التاريخ العربي التي آن لها أن تنتهي.