.. وعندما اطمأن الرئيس الاميركي دونالد ترامب، وهو المضارب المعروف في البورصة، إلى أن اهل النظام العربي، ملوكاً ورؤساء ـ اباطرة وامراء نفط وغاز يملكون من اسباب الثروة ما لا تملكه الدول العظمى، ولا يهتمون كثيراً للانتماء القومي ومستقبل الامة والشعارات الهوائية مثل تحرير فلسطين والعروبة والوحدة والاشتراكية الخ…
.. وعندما اطمأن رئيس حكومة العدو الاسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الدعم الاميركي المفتوح في وجه خصومه داخل الكيان المحتل، اصطحب زعيم المعارضة في الكنيست للمشاركة في الاحتفال المبهج بالتأسيس الثاني لدولة يهود العالم على ارض فلسطين..
وعندما اطمأن اهل النظام العربي من ملوك النفط والغاز واتباعهم من حكام التسول والقمع إلى قوة الدعم التي تخصهم بها واشنطن وهم يواجهون المعترضين في بلادهم، لا سيما بعد انصراف مصر ـ السيسي عن دورها القومي، والتحاق رئيسها بموكب المطبعين بقيادة انور السادات واتخاذه واشنطن المرجعية،
وعندما اطمأن اهل القمة العربية إلى فراغ الشارع من اهله الذين يقبعون الآن في السجون او في المغتربات. أو يمضغون يأسهم شعراً ونثراً وحكايات عن ماضي الامجاد..
كان المشهد التاريخي قد استكمل ابهته لتي تليق بهذا الانجاز غير المسبوق: اعلان “صفقة القرن” التي تشطب “فلسطين” بشعبها ونضاله المتصل منذ العشرينات من القرن الماضي، وهو النضال المكلل بالتضحيات الجسام، وبتوالي الانتفاضات بعنوان ثورة 1936، والمقاومة المسلحة في الداخل من خلف الحدود، ثم “في الخارج” من حول فلسطين، حيث اجبر اهل الارض إلى اللجوء إلى ديار اخوانهم، بعدما عزت عليهم اسباب المقاومة.
انها لحظة تجديد التاريخ: ما قبل هذه اللحظة كان مؤقتا اما ما بعدها فهو الدائم، اذ لا تاريخ بلا دولة يهودية خالصة الهوية الدينية ومطهرة من الاعراق والشعوب الأخرى.
هللوليا: لقد قامت دولة يهوذا، بالقوة الاميركية، والانهزام العربي، والدهاء اليهودي والتواطؤ الدولي فوق ارض فلسطين التوراتية.. والى النسيان انجيل عيسى المسيح ووالدته العذراء مريم والقرآن الكريم ونبي الله الرسول محمد بن عبدالله.
انها بداية جديدة لتاريخ الزور والتزوير!
مقدمات الصفقة تتوالى فصولاً منذ قرن كامل او يزيد: وعد بلفور (1917)، الاحتلال البريطاني والفرنسي للمشرق العربي جميعاً، بعد الحرب العالمية الاولى، وتقسيمه إلى دول شتى، تتضمن استيلاد كيانات بلا تاريخ: إعادة رسم خريطة لبنان ـ المتصرفية بضم “الاقضية الاربعة” إلى كيانه الجديد (بيروت والجنوب والبقاع والشمال)، وابتداع كيان شرقي الاردن ليكون أمارة للأمير عبدالله ابن الشريف حسين مطلق الرصاصة الأولى (والاخيرة) للثورة العربية الكبرى، وتقطيع سوريا إلى اربع دول على اساس مذهبي او عنصري، ونقل الامير فيصل من سوريا (تحت الانتداب الفرنسي) إلى العراق، ليكون ملكا هاشميا يحكم ـ بعد تصفية ثورة العشرين العظيمة ـ بنصرة السنة على الشيعة.. وقد جيء اليه بالنجل الثاني للشريف حسين ليكون ملكاً على ارض الرافدين: فيصل الاول، بعدما طرده الاحتلال الفرنسي من سوريا، او انه هرب بناء لإشارة بريطانية.
أي أن الاستعمار الجديد (آنذاك) قد انجز ما عجزت عنه السلطنة فعمق للطائفية والمذهبية بعدما ابتدع لها كيانات سياسية تخدم مصالحه.
لماذا هذا الاستذكار المتأخر لوقائع تاريخية من الماضي، تكاد تكون منسية الآن؟
لان “صفقة القرن” تجيء وكأنها النتيجة المنطقية لوعد بلفور، الذي تطلب تنفيذه مجموعة من الحروب التي دمرت الدول العربية الناشئة، او التي يفصلها عن فلسطين حاجز طبيعي (صحراء سيناء)، فضلاً عن تردي الاوضاع في الدول التي استولدت ضعيفة ومقطعة وملتبسة الحدود او مبتدعة، كما الاردن.
هذا فضلاً عن أن هذا الارتجال في استيلاد الكيانات و”تركيب” العروش بطريقة مرتجلة (كما جرى عندما كوفئ الامير عبدالله بأن نُصِّب ملكاً على الضفة الغربية في فلسطين ليكون “جار الرضا” للكيان “الاسرائيلي”!)
والنتيجة المؤلمة التي لا يجاهر بها أحد الآن: أن في منطقتنا هذه التي كان اسمها “الوطن العربي” وصيرت “الشرق الاوسط” دولة واحدة، مهابة وجبارة، حدودها في السماء مفتوحة بالطيران الاميركي، وفي الارض المفتوحة بالعجز العربي.
أما احتياجات الهيمنة الاسرائيلية فتوفرها عائدات النفط ومعه الغاز العربي ـ أي أن السلاح اميركي والدعم السياسي دولي بقيادة روسيا والدعوة مفتوحة عربياً للسلام الاسرائيلي..
مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيهِ …………… ما لجُرْحٍ بمَيّتٍ إيلام