منذ أن اطلق اللورد بلفور، وزير خارجية الامبراطورية البريطانية في الثاني من تشرين الثاني 1917 “وعده” بتقديم فلسطين (العربية) للحركة الصهيونية بقيادة هرتزل، وشعب فلسطين يجتهد في مقاومة “بيع بلاده” في سوق النخاسة لأغراب وطارئين مستقرة اقامتهم في البلاد التي اختاروها اوطاناً، بينما الفلسطينيون يجتهدون في تخليص بلادهم فلسطين بعد الحرب العالمية الاولى، لتكون دولتهم الوطنية التي لم يكن لهم، عبر التاريخ، بلاد غيرها.
تغلب “الوعد” على جهود العرب الذين كانت بلادهم تمزق وتفصل، مرة جديدة، على مقاس مستعمريهم الجدد، قبل أن يُتاح لهم التنفس واستعادة روعهم بعد الخلاص من حكم السلطان العثماني وطاغيته جمال باش السفاح، الذي اعدم مناضليهم في سوريا ولبنان في قلب بيروت (ساحة البرج الذي عُرف مذاك بساحة الشهداء)..
توالت الخطوات التمهيدية لإقامة الكيان الصهيوني على ارض فلسطين..
وتوالت، بالمقابل، الانتفاضات في فلسطين رفضاً لهذا الاستعمار الاستيطاني المعزز بدعم بريطانيا التي كانت تحتل الارض المقدسة كنتيجة للحرب العالمية الأولى وسقوط السلطنة نهائياً، حين تفجرت طلائع انتفاضة في فلسطين في العام 1935 بقياد الشيخ الخطيب المناضل عزالدين القسام والتي امتدت شهوراً تحت قيادته حتى استشهاده واندلاع الثورة الشاملة بإضراب عام بين ايار وتشرين الثاني 1936 تحول خلاله إلى انتفاضة مسلحة سطرت أبهى صفحات التاريخ الفلسطيني الحديث.
ستتكرر الانتفاضات، خصوصاً وان الحركة الصهيونية اخذت ترفد يهود فلسطين بيهود اوروبا، مستغلة المحارق التي نظمها الحكم النازي بقيادة ادولف هتلر، ولسوف تتكرر المصادمات خصوصاً مع تقديم الجيش البريطاني للعصابات الصهيونية (شتيرن والهاغانا) السلاح والاحداثيات المطلوبة والتي تكشف مواقع المجاهدين الفلسطينيين الذين لم يجدوا مورداً للسلاح، الا في ما ندر، وبغض النظر عن مدى صلاحيته وفعاليته.. في حين كان الجيش المصري الذي حاول أن يتدخل مزوداً بأسلحة فاسدة تنطلق رصاصات بنادقها من الخلف بدل أن تتوجه إلى مقصدها امام حاملها الجندي القادم لنصره لشعب فلسطين، ومن هنا ذاعت الجملة المأساوية الشهيرة “يا ربي تيجي بعينو”.. لان هذا الجندي يخاف أن تنفجر هذه الطلقة خلفا فتصيبه هو في عينه!.
..وهكذا توالت فصول المأساة الفلسطينية حتى 15 ايار 1948 الذي اعتبر عيداً قوميا لدولة اليهود في فلسطين بقيام “دولة اسرائيل” تحت قيادة ديفيد بن غوريون.
وتكاملت المأساة فصولاً بتصويت في مجلس الامن سبق فيه الاتحاد السوفياتي (آنذاك) الولايات المتحدة الاميركية، إلى الاعتراف بالدولة الطارئة، اسرائيل، على حساب فلسطين التي تشرد شعبها متحولا إلى “لاجئين” في الدول المحيطة (لبنان وسوريا) في حين ابقيت غزة تحت الوصاية المصرية حتى العام 1956 فاحتلتها اسرائيل فبقيت فيها حتى اتمام “الصلح” مع مصر السادات، فتركتها لتبقى… تحت نيرانها!
.. وها هي “صفقة القرن” التي يقدم فيها “من لا يملك لمن لا يستحق” ما تبقى من فلسطين المحتلة “هدية مجانية” للدولة اليهودية التي تتحول تدريجياً إلى “إمبراطورية” تتحكم بمصير الدول العربية جميعاً، انطلاقاً من الارض المقدسة، فلسطين ، التي عجز اهلها العرب، بالخيانة او بالتفريط او بالنعرة الاقليمية ـ الطائفية ـ المذهبية التي تشكل الحليف الموضوعي لأسطورة الحق اليهودي التاريخي في الارض التي لم تكن في أي يوم “دولة يهودية” ، بشهادة ولادة السيد المسيح في بيت لحم ونشأنه في القدس وتجواله لنشر دعوته إلى الدين الحق، عبر رسله من تلامذته، إلى اربع رياح الارض.
أتُرى يعرف الرئيس الاميركي دونالد ترامب ما يكفي من تاريخ الأمم والشعوب حتى يتصرف مع الاسرائيليين، غاصبي اوطان الآخرين، بمثل هذا السخاء.. ام أن هذا المضارب في البورصة يجرب حظه في بيع الاوطان او منحها لغير اهلها وكأنها مجرد صفقة مضمونة الربح للبائع من كيس غيره والمشتري زورا وبهتانا وبالغصب ارض غيره، أي الشعب الذي كانت فلسطين ارضه وستبقى له.. خارج نطاق المضاربات..
فالحق في الوطن ليس صفقة على طاولة المضاربات تذهب ارباحها إلى المضاربين بأوطان غيرهم!