طلال سلمان

سنيورة يكتب ملك عبد لة <فتح اسلام> موامرة تطرف

يستحق عاهل السعودية عبد الله بن عبد العزيز ما قاله فيه وعنه الرئيس فؤاد السنيورة، في المقال الذي كتبه للزميلة الشرق الأوسط ، أمس، بحجم صفحة كاملة إلا قليلاً… كاشفاً أنه قد تلبث يفكر، وقد فكّر كثيراً، ما بين حرب تموز 2006 واتفاق مكة أو عهدها بين الأخوة الفلسطينيين، حتى أتاحت لي الظروف، مشكورة، الحديث في هذا الموضوع الجليل .
يستحق الملك عبد الله بن عبد العزيز، بالتأكيد، أن يقال فيه ما كتبه فؤاد السنيورة من أنه قائد وصانع سياسات ، ومن أنه يؤثر الفعل على الكلام، لكنه إذا تكلم فإنما يصدر في قربه عن القلب، وتقع رؤيته العامة على مقربة من عقيدته أو أنها صادرة عنها.. وهي تتحرك بين الإسلام والعروبة .
ومع أن الاستشهاد بمسرحية لويجي بيرانديللو ست شخصيات تبحث عن مؤلف قد يبدو نافراً، في سياق هذا المقال، إلا أن الرئيس السنيورة قد برّره حين اعتبر أن الملك عبد الله بن عبد العزيز هو المؤلف بكل المعاني للأوضاع العربية والإسلامية الحاضرة . فإن صح هذا التقدير كان علينا أن نلوم المؤلف على هذه الأوضاع التي لا تسر إلا العدو! ولا يمكن أن يكون الرئيس السنيورة قد قصد هذا المعنى، وإن كان قد رغب في تأكيد علاقة السياسة بالثقافة أو بالمسرح أو بكليهما معاً، والله أعلم.
هذه الملاحظة العابرة لا تؤثر حتى على المضمون، خصوصاً وقد أتبعها السنيورة بما يفيد أن الملك عبد الله هو طليعة المعارضة للسائد الخامل والانقسامي في الواقع العربي .
أما الملاحظة غير العابرة والمهمة جداً فتتمثل في ما نقله السنيورة عن الملك عبد الله، مع اندفاع إسرائيل إلى شن الحرب على لبنان، في مثل هذه الأيام من السنة الماضية: لا نخشى على لبنان من إسرائيل بسبب شجاعة المقاومين .
ومن الأمور غير العابرة أيضاً ما كتبه السنيورة عن مكالماته الأولى مع الملك قبل حوالى السنتين: كان ملتاعاً ومجروحاً، وعظيم الأمل في نفسه. كان ملتاعاً لمقتل الرئيس الحريري… وكان مما قاله: نحن معكم بشتى الطرق وسوف تشعرون بذلك، الدعم السياسي والدبلوماسي والمساعدة المادية، والمساعدة في الإعمار وفي التطور، وفي إعادة بناء القدرات العسكرية والأمنية وبالمساعدة في تأمين جنوب لبنان .
نصل هنا بيت القصيد مما يستوقف أي قارئ لمقال السنيورة.. فقد استطرد الكاتب ليتحدث عما جرى (ويجري) لمخيم نهر البارد وفيه. يقول: عشية ظهور مؤامرة ما يسمى فتح الإسلام ، والتي عنت أن التطرف كما يمكن أن يعمل لأهدافه التخريبية الخاصة، يمكن أن يستعمل من جانب جهات أخرى وبوعي وبدون وعي.. .
جيد أن يكون رئيس الحكومة البتراء قد اكتشف أن فتح الإسلام ليست كما حرص الإعلام الرسمي على وصفها عصابة يقودها شاكر العبسي وهي تنفذ مهمة كلفتها بها الاستخبارات العسكرية السورية ، كما قال وزير داخلية السنيورة، عن هذه المجموعات الممتازة التدريب، والتي استقطبت أهالي المخيم أو قسماً كبيراً منهم. أقله في مرحلة معينة، وإلا لكانوا نبذوها أو طردوها. لكنها أقامت آمنة وأفادت من تحصينات المخيم ومن يأس أهله، ثم إنها كانت تملك إمكانات مادية محترمة، أو كان ثمة من يوفر لها المدد، حتى استطاعت أن تصمد كل هذا الوقت..
لقد احتاج فؤاد السنيورة إلى ثلاثة وثمانين يوماً من المعارك الطاحنة، وإلى أكثر من مائة شهيد وحوالى الألف جريح من ضباط الجيش اللبناني وجنوده المنهكين أصلاً بحمل الدولة على ظهورهم، لكي يعترف بالحقيقة البسيطة التي كان يمكن أن يدركها منذ اللحظة الأولى، لولا الغرض الذي هو مرض، ولولا القصد المقصود في نسبة كل شر إلى سوريا وكل خير إلى الأميركيين ومَن معهم، ولولا ما قيل ويقال عن التسهيلات التي قدمت والمحاولات التي بذلت مع هذه العصابة لتوظيفها في خدمة أغراض داخلية أخرى لا يمكن أن تكون نبيلة أو شريفة أو مساعدة على تحقيق الوحدة الوطنية!
وبالطبع فإن الملك عبد الله بن عبد العزيز يستحق الشكر على وقوف المملكة بعد انفجار حرب مخيم البارد مع لبنان، لجهة دعم أجهزته الأمنية والسياسية ولجهة تبادل الرأي بشأن استيعاب الموقف وصون وحدة المسلمين والعلاقة بين اللبنانيين والفلسطينيين .
لكن الرئيس السنيورة نسي أن يمن على الملك عبد الله بأن الجيش اللبناني المعزز بهذا الدعم الشعبي غير المسبوق، قد ساعد المملكة على التخلص من مجموعات سعودية (لا يعلم إلا الله عديدها)، جاءت إلى نهر البارد فقاتلت وقتلت من الضباط والجنود (وربما من أهل المخيم) أعداداً لن نعرفها بالدقة إلا بعد إنهاء هذه الحالة الحربية التي لا يمكن أن تفجرها وأن تديمها كل هذه الأسابيع الدموية الطويلة، عصابة، أو مجموعة مأجورة تعمل بوعي أو من دون وعي لحساب جهات أخرى … ثم: مَن هي هذه العصابة على وجه التحديد؟ وأي تطرف يعنيه الرئيس السنيورة؟ ومَن هي الجهات الأخرى ؟!
إذا كان الرئيس السنيورة يعرف فمن واجبه أن يبلغ الملك عبد الله بن عبد العزيز بهوية هذه الجهة، فضلاً عن أن واجبه كان وما زال أن يبلغ الشعب اللبناني بوصفه أهل الضحايا، ما اتصل بعلمه عن هوية هؤلاء المتطرفين الذين ثبت أن مَن وصفهم بعصابة العبسي إنما كان يضلل اللبنانيين ويخادعهم ويستغل دماءهم في تبرير حَوَله السياسي وغرضه المشبوه الذي يزيد من ضياع المواطنين واسترابتهم بعضهم ببعض.
وختاماً فإن الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي يحفظ له اللبنانيون مبادرته التي لما تكتمل من أجل التهدئة وإعادة صياغة الوضع الحكومي والسياسي إجمالاً بما يعيد توكيد الوحدة الوطنية، يستحق ما قاله فيه فؤاد السنيورة من أنه الإنسان الكبير، والقائد الكبير، والفارس النبيل، فرعى الله وده، وأطال عهده، ومتعنا بوجوده وعمله جزاء ما قدم وأسهم وجزاء ما سعى وكافح .
.. ولكن، ماذا لو أن الرئيس فؤاد السنيورة، ومَن معه، قد عملوا فوفروا فرصة النجاح لتلك المبادرة التي اغتيلت، وأكثر من مرة، قبل اكتمالها؟!
لعل هذا المقال الممتاز الذي كتبه فؤاد السنيورة، من دون مناسبة خاصة، وللتعبير فقط عن خلجات النفس، يكون إعلاناً عن عودة الوعي وعن التنبه إلى المخاطر التي تحرم اللبنانيين النوم والاطمئنان إلى يومهم فكيف بغدهم.. فيقبل الرئيس السنيورة وفريقه نصائح الملك حتى لا تظل حكومته بتراء وحتى لا يظل القلق يظلل خواطر الملك ويفسد عليه اطمئنانه على لبنان.

Exit mobile version