في مثل هذا اليوم قبل أربعين عاماً، أعلن الضابط سعد حداد تمرده على القيادة الشرعية وخروجه على الجيش ومنه ملتحقاً بالعدو الاسرائيلي الذي كانت قواته قد احتلت معظم الجنوب حتى مجرى نهر الليطاني قبيل مصبه في القاسمية.
ولقد ارتبكت الدولة اللبنانية برئيسها (الراحل الياس سركيس) وحكومتها، وكان المُحرج الاكبر هو الجيش اللبناني الذي خرج عليه هذا الضابط المتهور وانحاز إلى جيش الاحتلال الاسرائيلي محتميا به في وجه السلطة الشرعية.
كانت الرقابة مفروضة على الصحف، وكان يمارس الحذف و”التشذيب” ضباط أو رتباء من الامن العام الذي كان الرئيس سركيس قد اختار الامير فاروق ابو اللمع مديراً عاماً له.
ولقد صدمنا خبر انشقاق الضابط في الجيش سعد حداد، والتحاقه بالعدو الاسرائيلي.. خصوصاً وأننا كنا نقدر أن الرقابة ستمنعنا من نشر أي شيء يتعلق بهذا الضابط الذي خرج على جيشه الوطني ليلتحق بالعدو الاسرائيلي، محتل الارض وقاهر الإرادة الوطنية.
في اجتماع التحرير مساء اتخذنا القرار بنشر الخبر وادانة الضابط الخائن..
كنا نعرف أن الرقابة ستمنع نشر الخبر، وعلى هذا اتخذنا قراراً ثانيا بالامتناع عن ارسال عدد “السفير” لليوم التالي إلى الرقابة.
قبيل الظهر، اتصل بي المدير العام للأمن العام الامير فاروق ابو اللمع، المعروف بطرافته وظرفه وعتبه على الرئيس سركيس الذي اوكل اليه أمر العسس، وجعله ـ في هذه اللحظة بالذات ـ المسؤول عن الرقابة على الصحف.
قال لي الامير الماروني الذي جده الثالث درزي وجده الخامس مسلماً، وأمه ارثوذكسية وزوجته أرجنتينه كاثوليكية (كما كان يقدم نفسه، بظرفه، لمن لا يعرفه): اتصل بك لكي اتفاهم معك على مدة تعطيل “السفير”، هل نكتفي بثلاثة أيام ام تريد اجازة اسبوع؟
قلت: عطلوا “السفير” حتى نهاية عهدكم الميمون اذا كان بين “مزاياه” السكوت عن الخونة والعملاء حتى لو كانوا ضباطاً في الجيش الوطني يدفع اللبنانيين من عرق جباههم مرتباتهم وتعويض الحجز والترقية الاستثنائية التي ينالونها حتى لو لم يقاوموا..
قال الامير فاروق رئيف قاسم حسين ابو اللمع: اذن سأكتفي بالتهديد بتعطيل “السفير” ثلاثة ايام إن لم تلتزم بالرقابة، ثم اعوض عليك بغداء، وهكذا ارد على مخالفتك للانتظام العام.
ولم يكن امامي وزملائي في “السفير” غير الالتزام بقرار الرقابة، ولكننا ـ في ما بعد ـ سنجد الف وسيلة ووسيلة للتلاعب بالمراقبين الذين كانوا بمعظمهم من الأميين الذين تعوزهم الثقافة السياسية، وكثيراً ما استعصت عليهم اللغة العربية خصوصاً وانهم لا يعرفون قواعدها، ولا هم يدركون مرامي التوريات ومقاصد الايحاءات والكلمات المشفرة لكي تفي بالغرض وتوصل القصد إلى القراء..
رحم الله “آخر الرؤساء المحترمين” الياس سركيس، وكذلك الأمير الظريف الذي افترض أن صديقه ورفيق طاولة الورق سيجعله وزيراً فاذا به يأتي “بسمو الامير” مديراً للعسس، كما كان يقول سمو الأمير!
في أي حال، فان السلطة لم تستطع أن تستمر في تجاهل هذه الخيانة، وهكذا صدر عن مجلس الوزراء في 1979/4/19 قراراً يقضي بتسريح الرائد سعد حداد من الجيش.. لأسباب تأديبية!
العدالة تضرب الخونة من جديد… ولو طال الزمن، فتسرح الضابط الخائن الذي التحق بالعدو واضعاً نفسه في مواجهة وطنه بجيشه وشعبه والارض المقدس المحتلة!