طلال سلمان

سلطة هي موضوع

ليس من التبسيط أو الاختزال المخل أن يقال: إن السلطة هي موضوع »الصراع« المفتوح الآن على مصراعي الشارع، وأنها »الهدف«، يهاجمها من هم »خارجها« أو على هامشها، ويذود عنها ويصدّ الحملات بكل أنواع الأسلحة أهلها والمستفيدون منها.
ولو كانت قوى الاعتراض »سياسية« فعلاً وغير ملتبسة في شعارها الطائفي،
ولو كانت اللغة »سياسية« فعلاً وبريئة من شبهة التعبير عن »حقوق« الطوائف والمذاهب.. لاندرج الصراع إذن، في سياقه السياسي الطبيعي بين السلطة ومعارضيها، وصارت الكلمة للانتخابات بوصفها الطريق الشرعي إلى السلطة.
السلطة هي الموضوع وإن كانت سوريا هي العنوان، فالهجوم على »الوجود السوري« يستهدف أولا وأخيرا إعادة صياغة السلطة، من »الرأس« فيها إلى الصلاحيات وكيفية تقسيمها بين »الشركاء«، وحتى آخر مواقع النفوذ… وهل »الرئيس« متقدم بين متساوين، باللغة الكنسية، أم هو الملك المطلق أو الملك في نظام دستوري، أم »الرئيس القائد« والباقون معاونون ومنفذون؟
ولأن النظام طوائفي تكتسب السلطة أو تضفى عليها أهمية الضمانات لشركاء غير متساوين في الاحتياج إليها (نظريا)، ومن ثم فلا بد أن يعطى كل بقدر حاجته وعلى قاعدة: للأقل عددا المزيد من السلطة لكي يطمئن، أما »الأكثرية« فضمانتها في أعدادها وفي نظرتها لنفسها أنها بعض »الأمة« المنتشرة على مساحة بعض آسيا ورأس أفريقيا وحتى منابع النيل في قلبها!
السلطة هي الموضوع وهي الهدف، حتى لو تبدى من خلف الشعار المطلق والموقف المبدئي شبح الانشطار الطائفي.
السلطة هي الموضوع… ولكن العجز عن مواجهة ما هو سياسي بالشعار السياسي وبالعمل السياسي يضفي على الاعتراض ما ليس فيه من خطورة، ويضفي على السلطة ما ليس فيها من »قداسة«.
أحزاب بلا رؤوس أحيانا، أو بلا قواعد، غالبا، أو رؤوس بلا أحزاب، والأحقاد والأغراض والمصالح هي التي تصوغ الخطاب الأكثر »جماهيرية«، وليس التحليل الذي يمكن أن ينتهي إلى صياغة برنامج سياسي يدعى الناس إليه فيقبله بعضهم ويناضلون من خلاله، ويرد عليه الآخرون ببرنامج مضاد أو مختلف ويكون ثمة برنامج ثالث ورابع وخامس… ويستوي الصراع في سياق طبيعي بين قوى سياسية تأخذ برامجها بالاعتبار التكوين الطوائفي المتعدد للناس وتراعي حقهم بالتمثيل ومن ثم في السلطة كمواطنين.
المواطنية تجب الانتماء الطائفي، وتوفر من عناصر الثبات والاطمئنان إلى المستقبل ما يعجز عنه البرنامج الطائفي الذي سرعان ما يتحول إلى مصدر خطر على حامله كما على خصمه في المعسكر الطائفي الآخر المواجه.
فحيث تضعف السياسة تزدهر الطائفية، ويتحول الصراع على صيغة الحكم إلى مشروع فتنة مفتوح دائما على »المخاطر المصيرية«.
* * *
السلطة هي موضوع الخلاف والصراع، وسوريا أو »الوجود السوري« هو العنوان..
والهجوم على سوريا تكتيك ناجح جدا، في نظر أصحابه، لأنه يحرج السلطة وهذا مطلوب إذ يظهرها في موقف الضعف والاستتباع وقد يخرجها، وهذا مشتهى ومرتجى، ويفتح الطريق أمام الطامحين إلى استعادة السلطة أو إلى دخول نعيمها المرصود.
وما يقال اليوم في سوريا وانحيازها وتبنيها أو رعايتها أو حمايتها للسلطة سبق أن قال مثله وأعنف »الطرف الثاني« »الموالي« الآن، أو »الحاكم«، والذي يرى المعارضون أنه يتنعم الآن بسلطة ما كان لينالها »لولا السوري«.
بل لقد بلغت الاتهامات في أواسط السبعينيات سقفا أعلى بكثير من سقف الاتهام بالهيمنة والتسلط الموجه الآن إلى دمشق، وكادت تصور سوريا عدواً للمسلمين عامة وللشعب الفلسطيني خاصة، بكل التداعيات التي يستدرجها مثل هذا الاتهام، والتي تطاول المحظور.
فخلال ربع قرن دار الزمان بالمراجع والقيادات السياسية في لبنان دورة كاملة، فتنقل بعضهم بين الحدين الأقصيين، واهتدى بعضهم إلى الطريق السريع، وضل آخرون ربما لأنهم طلبوا أكثر مما يستحقون أو لأنهم أرادوا احتكار السلطة لأنفسهم بغير شريك، أو لأنهم نسوا حيثيات الموضوع!
هل العودة إلى الصراع السياسي ممكنة؟!
ذلك هو التحدي… أما الفتنة فما أسهل إشعالها حتى تحت سيل من اللعنات على من أيقظها!

Exit mobile version