الحرّ في بغداد الرابع عشر من حزيران لاهب يكاد يشوي الأهداب، لكن الدم العراقي المسفوح على امتداد بلاد الرافدين يحرق ويتفجّر بسافحيه.
القتل هو اللغة »الرسمية« المعتمدة… وكيف يكون حوار بين بندقية الجلاد وبين الضحية المحكوم عليها بالخرس؟
ليس للعراقيين من سلاح إلا دماؤهم، هي صوتهم وهي صورتهم، وبها يحاولون تغيير واقعهم لحماية ما تبقى من تاريخهم ومن المستقبل الغامض والمرتهن.
ليس للعراقيين إلا أرواحهم، وهم يبذلونها بسخاء نادر المثال في كل أرجاء أرض الحضارة الإنسانية الأولى: من شمال السومريين إلى جنوب البابليين، ومن قلب الوسط إلى وسط القلب، من شرق نينوى إلى غرب شط العرب،
»النهر الثالث« يتدفّق قانيù موحدù بين القوميات والاثنيات والأعراق والأديان والطوائف وصولاً إلى الصابئة واليزيديين،
والدم هو عراقي دائمù من حدود إيران إلى حدود تركيا، ومن حدود سوريا والأردن إلى حدود الكويت والسعودية…
الأرض تنزف دمù. لم يترك الطاغية شبرù منها أخضر. غطى النجيع »سواد العراق«.
الحدود جميعù مطرّزة بالدماء، ومساحة العراق مغطاة بالجثث لعلها تخفي الحماقات والمقامرات والأخطاء المريعة.
وفي الداخل يلغي الدم المراق، ظلمù وعدوانù، الحدود بين المحافظات والقبائل والعشائر وحَضَر المدائن، بين الأهالي والعسكر، فإذا »الجبوري« يتوسّد كتف »الدليمي«، وإذا البصري يشارك الموصلي نعشه، وإذا »البغدادي« يقتسم مع أكراد الشمال المقبرة الجماعية الواحدة..
* * *
أخبار بغداد هي الفجيعة.
والفجيعة كالليل، تلقي ظلالها السوداء على سائر الأقطار التي كانت عربية، والتي تغيّبت عواصمها وحواضرها ومدنها العريقة وناسها والشارع النابض بالعافية، يتم تطويعها تدريجù لتنخرط في المشروع الإسرائيلي المسمّى »الشرق الأوسط الجديد«.
ودم العراق في عنق »التحالف الدولي« كما في عنق حاكمه ..
والفجر العراقي الموعود لن ياتي من واشنطن ولا خاصة من تل ابيب!
* * *
هوامش محلية..
} كلما سافر مسؤول لبناني إلى الخارج تتحقق نجاحات سياسية مذهلة، ونسمع المزيد من الكلام الذهبي عن الاستثمارات الآتية بإذن ا”، وعن تنبّه سلطات الدول المعنية إلى الأهمية الفائقة للبنان الجمهورية الثانية..
هذه »الواقعة« تطرح مسألة جدية على بساط البحث:
ما دام حكّامنا ناجحين إلى هذا الحد في الخارج، فلماذا لا يسافرون جميعù، ويطيلون فترات الغياب، تخفيفù من أثقال فشلهم في الداخل؟!
} ترتفع معدلات الدين الخارجي طرديù مع تناقص القدرة على الإنجاز الداخلي،
الآن وقد اكتشف المعنيون مصدرù جديدù للاستدانة، عبر سندات الخزينة بالدولار، اشتد الخطر على الخزينة ذاتها!
فتوكيدù للثقة بمعجزة النهوض الاقتصادي، نكاد نخسر ما تبقّى من الرصيد »الذهبي« للبلاد واقتصادها العجائبي!