نحمد الله أن السادة وزراء الخارجية العرب قد عادوا من مغامرتهم في قلب الخطر اللبناني إلى بلادهم ومهماتهم وأهلهم سالمين، فلقد كنا في قلق عليهم شديد.
.. وشكراً لهؤلاء السادة الوزراء كونهم قد تجشّموا عناء القدوم إلى بيروت وتحمّل أهوال الرحلة بين مطارها الذي كان دولياً فحوّلته إسرائيل بغاراتها المدمرة إلى أرض خراب لا يفتح إلا بإذن منها وفقط لمن ترغب بدخوله، وبين سراي الحكومة التي لا يغادرها وفد دولي إلا ليجيء وفد عربي وكيل أو ليتم اتصال من بعض أصحاب الحل والربط من أصحاب الفصاحة والقدرة على الإقناع بالعروض التي لا يمكن رفضها.
شكراً لهم لأنهم قدموا إلى لبنان الذي يمثل الوجه الحضاري والمشرق لعالمنا العربي، وجه الحرية والتعددية والتعايش الأخوي بين مختلف الأديان والمذاهب فتيقنوا من أنه برغم الجراح والندوب ما زال يحمل الوجه المشرق نفسه..
صحيح أنهم جاءوا متأخرين كثيراً، قياساً إلى موجبات أخوتهم، وأن قدومهم سيثبت في ذاكرة اللبنانيين باعتباره اليوم الذي شهد الرقم القياسي من الغارات والهجمات ومحاولات الإنزال الإسرائيلية وعمليات القصف التي ظلت تهدر طوال النهار، كمطر الموت المنهمر من الجو والبحر والبر، والتي تسبّبت في الرقم القياسي من المذابح الجماعية جنوباً وبقاعاً فضلاً عن الضواحي الجنوبية للعاصمة الأميرة، ولا سيما أن الشياح قد لحقت بأخواتها حارة حريك والغبيري وبرج البراجنة والمعمورة والرويس وصفير والأوزاعي، فأضيف اسمها إلى لائحة الشرف إلى جانب قانا وصريفا والغازية والعباسية… إلخ.
شكراً لهم لأنهم قدموا إلينا متعجلين وانصرفوا قبل هبوط الظلام، خصوصاً أن إسرائيل كانت قد أنذرت أهل الجنوب بعدم التجول بعد الساعة العاشرة ليلاً، وكان يمكن لبعض هؤلاء الإخوة أن يقدّم رفع سقف تضامنه إلى الحد الأقصى فيقرّر مثلاً الذهاب إلى صيدا أو إلى صور، ويزيد من قلقنا على سلامته، وليس في طاقتنا المزيد من الصبر..
فأما المهمة النبيلة التي كلفوا أنفسهم بها وأوفدوا إلى مجلس الأمن مَن ينذره بتعديل المشروع الأميركي الفرنسي وإلا… ففي التحليل العفوي ما يشير إلى أنه لو كان السادة الوزراء أكثر ثقة بأنفسهم وبقدرتهم على التأثير لما كان الأمر يحتاج إلى اجتماع طارئ، وإلى بيان بليغ الصياغة، ثم إلى وفد من صاحبي سمو إضافة إلى الأمين العام للجامعة، يطير إلى نيويورك ليجادل مَن لا يسمعه فكيف سيقتنع ثم سيصدع لأمره؟!
… وهل أبلغ دليلاً من أن أحد الموفدين من أصحاب السمو قد باشر مجادلة وزيرة خارجية إسرائيل، ربما وهو بعد في الأجواء اللبنانية، وطائرته الفخمة تعبر بين طائرتين حربيتين آتيتين لارتكاب مذبحة جديدة في بعض أنحاء الوطن الجريح؟!
تصوّر مثلاً لو أن السادة الوزراء العرب قدموا إلينا بطائراتهم الحربية التي يتآكلها الصدأ وهي جاثمة في قواعدها العظيمة التحصين، لا تطير إلا في استعراضات عيد الجلوس على العرب… إذن لفزنا فوزاً عظيماً، ولما كنا أكلنا يوم أكل الثور الأبيض!
مرة أخرى، الحمد لله على سلامة السادة الوزراء العرب، وقد عادوا إلى بلادهم بذكريات طيبة يروونها لأبنائهم سعداء بأنهم لم يؤكلوا يوم أكل الثور الأبيض.
لقد طمأننا الإخوة العرب بلسان وزرائهم أننا في ما نحن فيه أفضل حالاً منهم، فشكراً.
أما الشكر الآخر فلسوف نجزيه لهم بعد نجاح مهمتهم التاريخية في نيويورك، التي نتمنى ألا تكون أقسى علينا من مجموع الغارات التي شنها العدو علينا، بطائراته وبوارجه ومدافعه الثقيلة!