لا يُحسب استشهاد أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله ومن كانوا برفقته إلا على فلسطين وقضيتها.
يمكن مناقشة الطريق الذي اتبعه والخيارات التي اعتمدها، تأييداً أم إدانةً، ذلك واجب وضروري وشرعي، وهو مهم للتاريخ وللحظة الحاضرة وللمستقبل.
لكن، وبما أن القاتل قد وقّعَ جريمته ومهرها بختمه وتفاخر بها علناً وفي أروقة المؤسسات الدولية وعبر وسائل الإعلام، وبما أنه ارتكبها وفق تكتيكٍ محسوب بعد أن دمر غزة، وأسس بها مرحلته اللبنانية والشرق أوسطية القادمة، فهي ستبقى جريمته التي وظّفَها و يوظفها لمصلحة مشروعه هو لا لأي مشروعٍ آخر… ومشروعه في المحصلة هو نقيض مشاريع أهل الأرض وسكانها، وهو مشروعٌ كارثي لن يُعفى عن تَحَملِ نتائجه من عارض أو من والى. فالجنوب المهاجر إلى الشمال وناسه سيضافون مهما كانوا وكائناً من كانوا، إلى طوابير النزوح وهي لم تتوقف من العراق إلى سوريا ومن فلسطين إلى لبنان. وهو عدو عودنا أنه لا يتصرف عن تهور وأن قراراته ليست وليدة حدثٍ ولا ردة فعل أمام حدث. هو قرار معَّدٌ بتؤدة ويُنفذ في لحظة منتقاة بعناية. وهكذا فإن عملية الاغتيال تأتي في لحظة لبنانية وفلسطينية بالغة السوء، وليس من المؤكد أنه كان بالإمكان تجنب الكارثة الواقعة اليوم على البلد وأهله.
ولأن القنابل التي اُستُخدمتْ بلغت من القوة مابلغت حتى أنها ابتلعت الحجر والبشر و لم تترك أحداً ليروي، فإننا أمام بداية زمن الحكاية التي ستتصل بألمها من فلسطين/ غزة إلى لبنان/ بيروت مروراً بكل بلادنا المنكوبة. وهي حكاية آمالٍ وآلامٍ نتقاتل على تأريخ بدايتها و على احتكار وجعها. وهي اليوم حكاية المظلومين في عيشهم وفي موتهم وهي حكاية يهوذا، وهي حكاية الناس التي اندثرت تحت الردم بأشيائها الصغيرة والكبيرة. غداً سنختلف كما دائماً على تفاصيل الموت القديم وعلى ما سيأتي من موت، وسنلقي بالحِمل على غدٍ لا يأتي وماضٍ لا يغيب
ولأننا اليوم الشهود، أقول أن للكلامِ، وبعضه ثم بعضه عتبٌ، وقتُهُ وهو مؤجل الآن. فنحن في المصاب واحد، وأمامنا عدوٌ لا يرحم وهو ماضٍ بالتوغل فينا يغير ألوان الثور ريثما يعًِدُ الثور الذي سيليه.
لاشيء اليوم سوى الضباب، وذاك العجز الذي نحوله كلمات علَّ الشهادةَ تنفعُ… وأقول أنا الدمشقي المغدور في دمه من حلب إلى الشام، أني اليوم على غرار بلادي وناسي، منذ ولدت مسيحٌ على الصليب، وأني “أمويون وقد ضيق بهم” وأني شيعةُ عليٍّ وأنه ليس لنا إلا نحن نحتمي من أحقادنا بالخذلان أمام القدر، وأشهد أننا وحيدون أمام العاصفة، وأشهد أني شاهد وأنك شهيد…
علَّنَا، وإذا ماكان من ثمةِ معجزةٌ تحصلْ، نضيف آلامَ وأحلامَ المقهورين إلى آلامِ وأحلامِ المقهورين الآخرين كي نُرممَ ما أمكن من المظلومية لا أن نستبدلها بأخرى، ولكي نصنع مايشبه غدٍ رغم الظلام.