..ولقد وقعت الكارثة حيث لم نتوقع، وافظع بكثير من أي تقدير..
فجأة اشتعل البحر وامتدت ألسنة النيران إلى البر فأحرقت الاخضر واليابس، موقعة آلاف الضحايا بين جرحى وقتلى..
السبب الذي قدم في تبرير هذه الجريمة أن الحريق شب في مستودع لنيترات الأمونيوم التي أُهملت وتُركت للزمن.. ولقد قال الزمن، في شهر آب اللهاب كلمته فكان هذا الانفجار غير المسبوق بقوة دويه كما بأعداد ضحاياه.
امتدت ألسنة النار إلى الجوار، الكرنتينا وصولا إلى الدوره وبرج حمود، كما ضربت مستشفى الوردية وبعض الاشرفية، وطاولت مستشفى الروم، بل أن السنة النيران بلغت زقاق البلاط على الضفة الاخرى من المدينة، ونالت “النهار” في مبناها وطاولت بعض الزملاء فيها.
تساقط الضحايا بالعشرات في الابنية المجاورة او على الطرقات، وعجزت سيارات الاسعاف والاطفاء عن القيام بواجباتها الكاملة لتعذر الوصول إلى الضحايا.
*****
..هذا في “الاخبار” التي تسارعت تنقل التفاصيل مع الصور المفجعة.. من مصدوم يبحث عن قريب او نسيب او صديق كان هناك لعمل او لموعد.. ومن اندفع بشجاعة – لإنقاذ الضحايا والمساعدة في اطفاء الحريق، بما تيسر له من وسائل، ولو بدائية..
تأكدت الاخوة بين الناس، الضحايا وذويهم، وسبق الكثير سيارات الاسعاف لنجدة من وجده في الطريق إلى موقع الكارثة..
أكثر من مئة ضحية واكثير من خمسة آلاف جريح بين الذين هبوا لإنقاذ الضحايا، وتقديم الدم لمن يحتاجه: لم يسأل احد من ينجده عن مذهبه او دينه. عاد “الاهالي” اخوة يجمعهم الخطر ورابطة الدم.
أما وقع الإنفجار فقد شعر به أهل قبرص.. وبلغت اخبار الحرائق العواصم العربية، فانهالت مكالمات الاطمئنان، كما تعهدت دول عدة بإرسال نجدات سريعة من الأسرة والادوية والكمامات ومواد التغذية. هي “الاخوة” تتجاوز التعارض في المواقف السياسية، وتحل اللهفة محل الخصام أو العتاب..
هي الأخوة تجعل اصحاب البيوت المجاورة يفتحون بيوتهم ويتبرعون بدور المسعف او المنقذ، او يحملون بعض الجرحى من الطريق إلى حيث يمكن أن تصل سيارات الاسعاف.
وهي الأخوة التي اسقطت الخصومة السياسية العارضة، وأعادت الحرارة بين الاهل إلى طبيعتها..
*****
ما زال الوقت مبكراً للحديث عن التعويضات.. فمعظم الضحايا لما تتم مراسم دفنهم.. والعديد من الجرحى ما زالوا على مداخل المستشفيات ينتظرون اسرة لما تفرغ من الضحايا الذين سبقوا في الوصول إلى المستوصفات والمشافي.
صحيح أن بيروت قد أضحت “مدينة منكوبة” ولكن التعاطف بين اهلها وسكانها والوافدين اليها قد أكد الأخوة بين الجميع.
وكان طبيعيا أن يتوافد المسؤولون إلى مكان “المجزرة” يتقدمهم المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، ثم بعده وزير الصحة الذي تجول في انحاء الموقع، قبل أن يصل رئيس الحكومة ومن ثم رئيس الجمهورية والعديد من الوزراء. .
تأكدت الأخوة بين الناس. سقطت الطائفية والمذهبية ارضاً، المصاب أفدح من التفرغ لمناقشة السفسطات وكل ما يفرق.
الجرح واحد، ونهر دماء الضحايا يتدفق في اربع جهات لبنان، وكل الراحلين والجرحى اخوة.. فالحريق لم يسأل أياً من ضحاياه عن هويته او عن دينه او مذهبه.
الكارثة وطنية حقاً، وضحاياها تحولت إلى شهداء للوحدة الوطنية،
رحم الله هذه القافلة الجديدة من الشهداء، وليكن للجرحى الشفاء.