طلال سلمان

شيخوخة مبكرة قوى جديدة

لأسباب متعددة بعضها مفهوم ومعلوم وبعضها الآخر »خفي« و»ملغز«، لا تشكل الانتخابات النيابية في بلد »مفتوح« على العواصف كلبنان فرصة للمراجعة أو محاولة توكيد الأهلية، ناهيك بأن تكون محطة للمحاسبة… الشعبية، واستدراك الأخطاء وسد الثغرات المسيئة إلى »المسيرة الديموقراطية« المظفرة.
فتحت عنوان خادع هو »ضمان الاستقرار« يصار إلى تجميد الوضع وتوفير المناخات الملائمة لعودة »العقلاء« و»الملتزمين«، وعرقلة عودة »المشاغبين« وأصحاب الأصوات العالية والحالمين بجنة ديموقراطية فوق أرض البداوة العربية والطائفية اللبنانية العريقة والوطيدة الأركان!
وبدلاً من أن تكون الانتخابات النيابية طريقا إلى تجديد الحياة السياسية بأفق أكثر ارتباطا بالمطامح الشعبية، فإنها تغدو أداة لتجميد أو خنق الحيوية، وبدلاً من أن تفتح الأبواب أمام الأكثر التصاقا وتعبيرا عن الهمّ الوطني وتثبيت السلم الأهلي على قواعد من العدالة وتكافؤ الفرص وإسباغ صورة »إنسانية« على النظام السياسي، فإن النتيجة تجيء، في الغالب الأعم، معاكسة تماما.
لكأنما المراجعة ممنوعة! لكأنما العودة عن الخطأ مستحيلة! لكأنما تجديد الدم في الجسم السياسي يهدد النظام أو ينسف الاستقرار! لكأنما الاعتراف بالجميع على اختلاف طروحاتهم أو اجتهاداتهم هو مشروع انقلاب، مع الوعي بأن »النظام« قوي بما فيه الكفاية وأصلب مما يحكم عليه المتخوفون على مواقعهم وامتيازاتهم فيه.
في الغالب الأعم يأخذ الغرض ومحاولة توكيد النفوذ الشخصي الجميع إلى الغلط: يغيب الوطن، تغيب الديموقراطية، يغيب هدف التغيير أو التجدد أو التقدم نحو الأفضل… فالهدف كيف يصير من في السلطة أقوى سلطة، وكيف يصير النافذ زعيما أو قطبا، يفرض نفسه على السلطة من موقع المعارضة فإذا ما وصل ظلت الحيثيات التي أوصلته، أي المطالب، في الخارج تنتظر أو تستولد معارضا جديدا.
إن المجلسين السابقين لم يقدما الا عددا محدودا جدا من الوجوه الجديدة. ومن بين هؤلاء فإن الذين ثبت إيمانهم بالديموقراطية، وظلوا على ارتباط بالأوساط الشعبية التي وفّرت لهم فرصة الوصول، هم قلة قليلة من ذلك العدد المحدود.
أمر مؤسف ان حملة شعارات التغيير اعتبروا أن هدف التغيير قد تم بمجرد وصولهم هم إلى السلطة… بل هم غالبا ما أقفلوا الباب في وجه دعوات التجدد والتغيير. ولعلهم كانوا أشرس من سابقيهم في منع »المشاغبين« من الوصول وإدانتهم بالتطرف، كما أنهم كانوا في اختياراتهم »لممثلي الشعب« الجدد (؟) أسوأ ممن سبقهم، فجاءوا هم أيضا بأزلامهم الموافقين دائما والمقاتلين بضراوة لاحتمالات التغير التي لا بد ستذهب بهم.
وباعتراف »المعنيين« جميعا، المهتمين بمسيرة الديموقراطية وبمستوى التمثيل النيابي للشعب الذي صار »شعوبا« لبنانية فإن عدد النواب النجوم، الذين نجحوا في مسح الغبار عن وجه النائب وأكدوا صحة تمثيله لقاعدته الشعبية، والذين تركوا بصماتهم على التشريع والدور التأسيسي للمجلس النيابي الحالي (وكذلك السابق) لا يشكلون أكثر من عشرة في المائة من أعضائه ال128.
ولقد تناقص عدد هؤلاء بعد تشكيل الحكومة الحالية، إذ اندثرت »كتلة« كانت تحمل لواء معارضة رصينة، وتمارس نقد السلطة بقصد منع الخطأ أو الحد منه، إذ ان بعضا من أعضاء هذه الكتلة دخلوا الحكومة فانتقلوا من موقعهم النقدي والمصحح والمنبه إلى الخلل الى موقع آخر قد لا يكون بالضرورة »مضادا« ولكنه »مختلف« إذ مهمته الدفاع عن السلطة ظالمة أو مظلومة.
أما عشية الانتخابات النيابية فيبدو هؤلاء الذين أعطوا للمجلس النيابي بعض السمعة الطيبة وبعض الدور، مهددين بعدم العودة إلى المجلس الجديد المفصل على مقاسات محددة ووفق مواصفات طاردة لأمثالهم.
ان »القوى الجديدة« قد شاخت قبل الأوان، وصارت تقليدية من قبل أن يستكمل دورها تأثيره المطلوب…
.. وتم فصل قسري بين فعل التحرير بالمقاومة وبين الانتخابات النيابية بحيث ستبدو النتائج وكأنها »ردة« أو نكوص أو تخلّ عن المناخ الذي ولد المقاومة ووفر لها إمكان الانتصار.
لقد »سقط« الذين كانوا قلة وكان يفترض ان يزيد عددهم ونفوذهم من قبل ان ترمى الأوراق في الصناديق المثقوبة قليلا من فوق وكثيرا من تحت.
وهو سقوط سيكون مدويا، لو وقع، إذ سيكون سقوطا لمن يدعي الحرص على السلطة من قلة من معارضيها بينما هو يفقدها بتدخله الكثير من سمعتها ومن التأييد الشعبي ومن ثم من شرعيتها.
… وتبقى فرصة للمراجعة لمن يريد أن يتجنب الخطأ ويحمي التجربة من التشوه ويمنع الانحدار نحو فقدان الثقة بالمؤسسات جميعاً.

Exit mobile version