طلال سلمان

شيخ حمد ديموقراطية مرة

بارك الله بأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني،
لقد بلغته أخبار الحروب الانتخابية ومعارك الترشيحات والمخاصمات التي شجرت داخل الحكومة القائمة بالأمر ثم بينها وبين منافسيها الطامحين إلى وراثتها، فخاف على السلم الأهلي من »الديموقراطية المرة«، وخشي من أن تؤدي المماحكات والمساجلات إلى إيقاظ الفتنة والعياذ بالله، فجاء بمبادرة كريمة لعله ينجح في إعادة اللحمة إلى صفوف الطامحين إلى دخول الجنة البرلمانية، قبل أن تقع الواقعة والعياذ بالله!
والشيخ حمد كان دائما ساعيا بالخير بين الأخوة، فحيثما شجر خلاف اندفع بغير طلب يحاول أن يصلح ذات البين، فأوفد بداية وزيره الشاطر الماهر الساحر الماكر الشيخ حمد بن جاسم، حتى إذا مهّد الجو وأسكت المدافع تقدم بنفسه لعقد الصلح بين المتخاصمين متحملاً عنهم الغرم والضرر..
ولا شك أن الشيخ حمد الذي يحب لبنان واللبنانيين قد استغرب أن يتدهور مستوى »الصراع« السياسي والتنافس الانتخابي إلى مثل هذا الدرك… فبعض الحكومة يشتم بعضها، وكلها تتوحد في شتم خصومها والتشهير بهم، الفقراء من أعضائها يهاجمون المنافسين الأغنياء، والأثرياء من وزرائها يطاردون منافسيهم الفقراء »إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم«… و»أم قشعم« للمناسبة عضو في أكثر من لائحة من لوائح السلطة والمعارضة على حد سواء، فهي خريجة مدرسة »الديموقراطية المرّة«، وهي مثال للنجاح راكبة ومركوبة!
والشيخ حمد الذي يخوض بشجاعة معركة إدخال القطريين إلى نعيم الديموقراطية من حقه أن يقلق ويخاف على تجربته الغضة، ولبنان يغوص في الوحل الانتخابي، ويتنابذ »أقطابه« و»زعماؤه« و»قادته المبجلون« بالألقاب، ويشهِّر واحدهم بالآخر، ويعرِّض بعضهم بشرف البعض الآخر، ويطعن في أمانته ويتهمه باستخدامه المال العام لأغراضه الخاصة… فلقد كان لبنان القدوة والمثال أيام كانت الديموقراطية فيه »سكر زيادة«، وكانت الانتخابات ساحة صراع بين الأفكار والآراء والتيارات السياسية وليس بين المحادل والبوسطات والسماسرة والدولارات والكسارات والأجهزة الأرضية والفضائية.
ومع التقدير للنجاح المتكرر، والصاعق أحيانا، الذي حققته وساطات الشيخ حمد ومساعيه الحميدة، في فض نزاعات دولية وإنهاء خلافات تاريخية، فليس متوقعا أن ينجح في بلد الاثنين وعشرين ديموقراطية طائفية، والمائة ديموقراطية مذهبية، والألف ديموقراطية التي لا ترفض أي نوع من العملات… هذا إذا أسقطنا من الحساب تأثير »الديموقراطية المرّة« الأقوى من الطوائف والمذاهب والعملات بألوانها المتعددة.
في أي حال، وحتى لا تذهب مساعي الشيخ حمد أدراج الرياح، نتمنى عليه أن يحفظ عن لبنان ومن واقع تجربته بعض الدروس، حتى لا تجيء تجربته الديموقراطية في قطر مصابة باللوثة اللبنانية، ومنها:
{ لا يكون في الحكومة مرشح واحد للانتخابات، ولا يطمح مرشح في أن يكون وزيراً إذا نجح نائباً.
{ يفضل أن »تُستورد« للانتخابات حكومة محايدة، من دولة ليست فيها أديان أو طوائف أو مذاهب أو عشائر أو قبائل أو عائلات أو بطون أو أفخاذ أو سراويل بجيوب عميقة.
{ يُمنع على مَن كان له قريب في السلطة، ولو من الدرجة العاشرة، أن يرشح نفسه للانتخابات… فالحكم حكم والنيابة رقابة على الحكم، أي معارضة، من حيث المبدأ، ومن يرفض المعارضة لا يستحق أن يحكم.
{ وأخيراً: يفرض على كل مرشح أن ينفق على البلاد، أو أن يؤدي إلى خزينة الدولة، عشرة أضعاف ما ينفقه، فعليا، على معركته الانتخابية، بحيث يؤكد من جهة أنه لا يأتي ليأخذ من المال العام قرشه ألفا، ولا ينوي استغلال نفوذه لاحقا لزيادة ثروته بإفقار مواطنيه.
وفي كل الحالات، ومع وعينا باستحالة نجاح الشيخ حمد في مسعاه الحميد الهادف إلى إنقاذ اللبنانيين من خطر »الديموقراطية المرّة« أو التخفيف من أضرارها، فنحن نشكر له زيارته التي نتمنى ألا تكون الديموقراطية المصدرة قد أفسدت مناخها، كما نتمنى ألا تكون الحكومة قد استغلتها للوشاية على »خصومها« ومنعهم مثلا من السفر إلى قطر أو العمل فيها خشية أن يجنوا فيها مالاً حلالاً قد يستخدمونه مستقبلاً في العمل الحرام ضدها بما يهدد وحدتها المتينة!
ملحوظة: نفترض ان الحكومة قد أكرمت ضيفها فزوّدته بالقائمة الرسمية للنواب الفائزين في الانتخابات التي ستجري جولتها الأولى بعد عشرة أيام، تدليلاً على عمق بصيرتها وطول باعها ونفاذ صبرها بحيث أنها مثل زرقاء اليمامة ترى ما هو في الطريق وما سوف يكون!

Exit mobile version