فأما شراء الافراد، رجالاً ونساء، فأمر معروف منذ بداية التاريخ الانساني..
وأما شراء “الجمعيات” و”الاحزاب” التي عجزت عن استقطاب “الجماهير” وتسخيرها لخدمة “السلطان” او “صاحب الامر”، محليا كان او اجنبيا، فأمر معروف ومألوف في لعبة الصراع على السلطة..
على أن “شراء” الدول، عبر حكامها او المتحكمين فيها نتيجة سيطرتهم بالقوة او بالحيلة على مفاصل الحياة اليومية واسباب الرزق، فانه يظل امراً مستهجنا، أن هو تم، فقبل المتحكم بالسلاح عرض المتحكم بالمال فباع دولته ووطنه بثلاثين من الفضة وكأن شعبه قطيع من الماشية وارض وطنه مشاع لمن استطاع اخذها بقوة النار او الذهب..
والسودان بشعبه ذي التاريخ النضالي المجيد، وذي الحياة السياسية المميزة في الوطن العربي والتي تجمع في افيائها الاسلاميين والشيوعيين والوطنيين والجمهور المتعلق بأرضه، والمبدعين من كتابه وشعرائه وروائييه المميزين..
أما هذا السودان الفوار بالحيوية ورفض الغلط ومقاومة الطغيان والذي يجوع ابناؤه ولا يستسلمون، بل يكتفون بالابتسام والرقص واطلاق النكات المعبرة عن رفضهم، ثم يتسلحون بالصبر في انتظار الاجماع على رفض الدكتاتورية وحكم العسكر فيتقدمون لخلع الطاغية ولا يتراجعون، مهما بلغت التضحيات سمواً، الا بعد اسقاط النظام واستعادة حقهم بالحرية والفرح بانتصار ارادتهم على الطغيان..
كم هو سخيف ومستفز “كرم” السعودية والامارات بعرضهما مبلغ اكوام الدولارات على “السودان لمساعدته على تخطي الازمة الراهنة”!
أن هاتين الدولتين العربيتين التي كل منهما اغنى من قارون تعرضان على دولة اكبر بمساحتها منهما جميعاً، وشعب اغنى بتجربته النضالية في مقاومة الاستعمار والدكتاتورية من ملوكها وامرائها الذين “اخذوا” البلاد عنوة، بالتواطؤ مع الاجنبي ولحسابه، لن يقبل بالتأكيد وضعية المتسول فيبيع كرامته وعزته وامجاد حاضره وماضيه بثلاثين من الفضة..
لقد صدق القول السامي: أن الملوك والسلاطين ما دخلوا قرية الا افسدوها.. فهم يفترضون أن الشعوب مجموعات من العبيد والجواري معروضة للبيع، وهم قادرون بذهبهم على شراء الكرامة والعرض والشرف والوطن وحبه الذي من الايمان.
إن السودان بلاد الخير، وعنده بدل “النيل” الواحد “نيلان”، وارضه واسعة شاسعة تستطيع ان تطعم قمحاً وأرزاً وفاكهة لمجموع سكان شبه الجزيرة العربية، بدءا من الكويت وحتى ضفاف بحر العرب ومصبه في الخليج، مروراً بالربع الخالي، وحائل والظهران وصولاً إلى المدينة المنورة ومكة المكرمة وهضاب نجد منبت الوهابية في الدرعية ونواحيها ومنها الجنادرية التي يتسلى بمهرجانها وجهاء المثقفين من كتَّاب وروائيين وشعراء يتبعهم الغاوون..
السودان ليس للبيع..
انه اغلى بتضحيات شعبه الذي طالما انتصر على دكتاتورية العسكر فاسقط حكمها واستعاد حريته وحمى كرامة ارضه ومستقبل اجياله الآتية..
هل تفهم ما اقول، أيها “الزول” المحمل ذهباً لشراء البلاد التي انتصر اهلها على انفسهم لكي يبنوا بلادهم الغنية بأكثر من حاجتهم والتي يتظاهر شعبها ليلا ـ نهاراً ولا يغادر الميادين حتى اسقاط العسكر واستعادة اعتباره وحقه في أن يحكم بلاده بنفسه.
أتسمعني يا زول؟
اسمعتني يا طويل العمر من في اذنه صمم؟