طلال سلمان

سيف ملكي احتلال اسرائيلي

قبل سبع وعشرين سنة، وتحديداً في النصف الأول من أيلول 1972، اجتاحت القوات الإسرائيلية بعض الجنوب في لبنان.
كان ذلك هو الاجتياح الأول… وقد وصلت معه النار الإسرائيلية إلى مشارف صور، وأحرقت شجر الزيتون في قانا ومعه »الرقيب حسن« داخل مصفحته العتيقة والمكابرة!
وفي منتصف آذار 1978 عاودت إسرائيل اجتياحها، لكنها هذه المرة كانت قد جاءت بقرار: أن تحتل وتبقى في المنطقة التي اقتطعتها من جنوب لبنان لتتخذ منها متراساً بشرياً يوفر لها ما تفترضه ضرورياً »لأمنها«..
لكن »الأمن« بقي هدفاً بعيد المنال… بل أن تلك المنطقة التي احتلتها إسرائيل واقتطعتها من جنوب لبنان سرعان ما تحولت إلى مقبرة للجنود الإسرائيليين، إذ سقط فيها على امتداد زمن الاحتلال، ولا سيما في سنوات ما بعد اجتياح 1982، أكثر مما سقط لها على أية جبهة أخرى عربية منفردة!
فالاحتلال يذهب بالأمن ولا يحميه، والدم يذهب بالاحتلال مهما طال.
الأرض لأهلها. لا تخرج منهم ولا يخرجون منها إلا إليها. أما الاحتلال فعليه أن يعيد استيلاد نفسه، وبكلفة عالية، مرة كل يوم.
* * *
الأمن في ظل الاحتلال وهم يقتل صاحبه.
لا يجيء السلام من الأوهام. ولا تنبت التواقيع المرتجلة أو المشتراة أو المتهالكة بالخوف غير شوك المرارة والخيبة وروح الانتقام من أصحابها.
لا يؤجَّر الوطن ولا تُباع أرضه بالأمتار، ولا تحمي المدافع »المستوطن« الآتي من قلب الأسطورة ليلغي حقائق الحياة.
البائع مقتول، متى باع، والمشتري مقتول، والوطن خارج البازار، حتى ولو كان أرضاً تحت مستوى البحر، كأغوار الأردن،
لا تمطر الأوهام الملكية إلا الدم. لا بد ستجيء لحظة الحقيقة. لا بد سيحدث الانفجار. مرة بتخطيط وعبر معركة: رجل لرجل، ومرات عبر فورة الدم ورفض القهر ولوثة الانتقام.
لا يشيخ الصراع متى كان موضوعه الأرض والسماء معاً. لا مفر من المواجهة والقتال. على كل حرف كما على كل شبر، على كل يقين كما على كل معتقد، على كل مكان مسّته القداسة كما على كل قطرة دم سقت التراب باسم الحق.
كلما حدّد »الكبار« موعداً مفترضاً للنهاية فتح »الصغار« باب الجولة الجديدة في الصراع الذي سيظل مفتوحاً حتى يجيء الزمن الثاني، على بعده.
وحين يعطي السلطان سيفه للعدو، هدية، فمن البديهي أن تؤجج هذه الهدية »الرمزية« الصراع، وأن تعيد تحديد أطرافه بدقة، وأن توسّع ميدانه من »الخارج« إلى الداخل وإلى داخل الداخل!
* * *
الدم خارج دائرة الجدل المحتدم الآن بين عمّان وتل أبيب حول مَن هو المتهوّر وغير الأهل للثقة والذي يتسبّب في استيلاد »خيبة حقيقية«، بنيامين نتنياهو أم الملك حسين.
والأرض أيضاً خارج هذه الدائرة التي تؤكد الصراع من حيث تريد أن تنفيه، أو توحي بأن الحوار على مستوى الملوك قادر على وقفه أو التخفيف منه، تمهيداً لانهائه باتفاقات على غرار ما تمّ توقيعه في وادي عربة.
ومثل هذا الحوار العقيم بين »العقلاء« لن يفعل غير التسريع في استيلاد المزيد من »المهووسين« أو »المختلين عقلياً«، على الجانبين،
الهوس والاختلال والجنون »فوق« لا »تحت«،
أما الصراع فخارج تلك الدائرة، أوسع مدى منها، وأبعد أثراً من تأثيرات »العقلاء« الذين افترضوا أنهم متى اجتمعوا طووا التاريخ واصطنعوا عالماً جديداً »للسلام« الأبدي!
أمس، أيضاً، وفي وادي الأردن بالذات، وبالسلاح الملكي ذاته، ثبت بالدم أنه لا يمكن أن يقوم »عالم السلام الجديد« في الفراغ، وأن يظل معلقاً بين الأرض والسماء المفتوحتين للصراع وبالصراع، وأن التواقيع الملكية لا تحصّنه فتحميه من السقوط.
فإذا عجز المقدسي عن الرد بالسلاح على تهويد مقدساته فقد يستطيع الأردني، وإذا ما لجمت »الدول« ابن غزة فقد يستطيع ابن الجليل، أو ابن يافا، أو ابن نابلس، أو الخليل، أو الكل مجتمعين.
ومَن يباشر عملية تهويد جديدة لما لم يهوّد بعد من أرض القدس العربية إنما يجدد الحرب ويوسع نطاقها ويسبغ عليها مزيداً من الشرعية.
* * *
الاحتلال هو الاحتلال، والمقاومة هي المقاومة حيثما أمكن وبكل سلاح توفر.
الصراع يتجاوز الزمان… فها هي القدس تعبر الزمان فتعطيه هويته. وها هو جنوب لبنان يصطنع زماناً جديداً.
مَن يهدي عدوه سيفاً عليه أن يتوقع أن يكون أول ضحاياه…
كذلك عليه أن يتوقع أن يحاسب على دماء آخرين سيسقطون في المسافة بين مدفع الاحتلال والسيف الملكي المهدى كجزء من مهر القدس!

Exit mobile version