لا يعني الإصرار الإسرائيلي، والأميركي ضمناً، على توكيد الطبيعة الأمنية »لاتفاق واي«، ومن قبله لاتفاق الخليل، ومن قبله لاتفاق القاهرة، إلا نفي »القضية السياسية« للشعب الفلسطيني.
ليس الفلسطيني »مواطناً« فوق أرضه، وله الحق في أن يطمح إلى قيام »دولته«.
إنه مجرّد مشروع إرهابي، وبالتالي فهو مشكلة أمنية محتملة لإسرائيل، وعلاجها بالأمن وبالأمن فقط،
من هنا تتزايد الأجهزة الأمنية الفلسطينية العاملة في خدمة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، والقادرة على التوغل داخل المجتمع، بل وداخل تلافيف الدماغ الفلسطيني، والمؤهلة لهتك الحرمات والأسرار جميعاً، العائلية والشخصية والدينية، إذا لزم الأمر،
ومن هنا دخول المخابرات المركزية الأميركية إلى الميدان، لإكمال الطوق من حول »الفلسطيني«، بحيث لا يتنفس إلا بإذن من »الجهاز الأمني الثلاثي«، ولا يستطيع الحركة، التنقل، التواصل، التجمع، التظاهر، إلا داخل قبضة هذا الأخطبوط الجهنمي الذي تتلاقى فيه »أعرق« الخبرات في الملاحقة والمطاردة وكشف المخبوء، وأعتى الوسائل في التحقيق والتعذيب وانتزاع الاعترافات،
ليس للفلسطيني قضية، وليس من حقه بالتالي أن يمارس السياسة، أي سياسة، اللهم إلا الهتاف »للشرطي الأول«، والدعاء له بطول العمر، والجهر بتأييده لكل اتفاق يعقده متنازلاً فيه عن المزيد من حقوق الفلسطينيين في أرضهم وفوقها.
إسرائيل هي الدولة. إسرائيل هي القضية. ولإسرائيل السياسة: الأحزاب والتنظيمات. اليمين واليسار والوسط. التيارات الدينية والعلمانية. النقابات والاتحادات المهنية. الكنيست والنواب والكتل والآراء والاتجاهات المتعددة أو المتعارضة. إعطاء الثقة للحكومة أو سحبها، أو التلويح بانتخابات مبكرة، إقرار الاتفاق الذي رعاه كلينتون أو رفضه بعدم التصديق عليه، وسائر ما يتصل بمسألة السيادة الخ..
لا وجود لفلسطين. ثمة فلسطينيون متعددون، ويجب أن يبقوا متعددين، وممنوعة عليهم الوحدة.
وطالما أن لا وجود لفلسطين فلا احتمال ولا مجال لدولة.. تكفي سلطة الشرطة لضبط الفلسطينيين ومنعهم من ممارسة الإرهاب والتخريب و.. العمل السياسي، كإنشاء الأحزاب أو التنظيمات أو النقابات الخ!
ومن أجل تثبيت هذه »الحقيقة« فلا بد من رمي الميثاق الوطني الفلسطيني، وسائر منجزات النضال الوطني الفلسطيني على الصعيد السياسي، في مزبلة التاريخ!
الفلسطينيون أفراد. ثمة بعضهم في غزة. وهؤلاء يجب أن ينفصلوا بالمصلحة كما بالحواجز العسكرية كما بقوة الأمر الواقع عن فلسطينيي الضفة الذين أيضا لا يشكلون وحدة: فالخلايلة غير النابلسيين وأهل رام الله غير المقدسيين الخ..
أما فلسطينيو إسرائيل فقد باتوا »إسرائيليين«. ولأنهم »إسرائيليون« فلهم الحق بالعمل السياسي، كمواطنين »إسرائيليين«.. أي »كأعداء« لفلسطين، وكمناهضين بل ومقاتلين لكيانها السياسي المحتمل والذي سيشكل خطرا داهما على الكيان الإسرائيلي.
على هذا فلا مجال لأي عمل سياسي في الأراضي الفلسطينية الخاضعة للسلطة الفلسطينية. لا مجال لأحزاب ولا لتنظيمات. أي عمل حزبي هو إرهاب. وأي تنظيم هو شروع في التخريب. والمهمة الوحيدة للسلطة: ضرب الإرهاب ومنع التخريب. أي: منع العمل السياسي!
»حماس« محظورة، و»الجهاد الإسلامي« محظور.
كذلك فإن »فتح« ممنوعة من السياسة، وان كان يمكنها التحول إلى »كشافة« أو »هتافة« أو حرس حدود للاحتلال الإسرائيلي، باعتبار أن حدوده هي هي حدود السلطة، وأي تهديد له ينهيها.
لا بأس من تحوّل منظمات الكفاح المسلح الى جمعيات خيرية أو هيئات تعنى بتنظيم النسل أو بحماية البيئة،
لكن العمل السياسي إرهاب ومن يمارسه سيواجه بقمع غير محدود!
الصحيفة ممنوعة، إن كان أصحابها أو كتّابها سيجهرون باعتراضهم أو حتى بنقدهم لما تقره السلطة، والقيادات السياسية تذهب بإرادتها إلى مقبرة الصمت أو يلقى بها في السجون أو تفرض عليها الإقامة الجبرية، كما حدث بالأمس لمرشد »حماس« الخارج »إلى الحرية« قبل شهور فقط، وبعدما تعهدت الشرطة الفلسطينية أن تحمل عن الإسرائيليين عار اعتقاله، وهو في وضعه الصحي المعروف.
إن حماية »الاتفاق« لا تتم إلا بمنع الفلسطيني من ممارسة السياسة، فلا يتبقى له لاعلان موقفه غير تفجير نفسه معبراً بذلك عن رأيه بدمه وبجسده المتناثر شظايا قاتلة لمن اغتاله وحرمه بعد أرضه الحق في أن يكون إنساناً.
في فلسطين: الموت هو طريقك إلى السياسة!
… وهو طريق وحيد الاتجاه!
* * *
لفتة سياسية لا مجاملة شخصية
بقدر ما أن زيارة الدكتور بشار الأسد للرئيس المنتخب إميل لحود ليست مجرد مجاملة بروتوكولية، فإن زيارته لرئيس حزب الكتائب الدكتور جورج سعادة لم تكن مجرد عيادة لصديق مريض.
وإذا كانت زيارة لحود إعلاناً صريحاً لدعم غير محدود للمرجعية الشرعية في لبنان، فإن زيارة جورج سعادة تأتي لفتة طيبة تجاه مَن قاد حركة تصحيح تاريخية أسهمت في نقل حزب الكتائب من الموقع الخطأ الى موقع طبيعي في قلب الحركة السياسية في لبنان.
إن الزيارتين تعمقان لنهج كامل يؤسّس لعلاقة أكثر سلامة بين »الشعب الواحد« في دولتين.