لم تنفع التظاهرات التي أكدت، بالصوت والصورة، قوة الرؤساء الثلاثة في طمس الضعف العضوي الذي يعاني منه الحكم.
استعرض كل من الرؤساء وعرض (على الآخرين!) قواته الشعبية، لكن ذلك بدلاً من استحضار صورة الدولة ووحدة الحكم فإنه قد ساهم في تغييب المؤسسات تماماً ونفي وجود »الحكم«..
أكد رئيس الحكومة أنه قوي بمن معه ومَن يؤيده ويسانده وينصره ظالماً أو مظلوماً.
لكن ذلك، في جزء أساسي منه، إنما كان يتم على حساب »حكومته«، بل وفي مواجهتها.
لكأنما قالت الجماهير التي جاءت إلى »قريطم« انها مع رفيق الحريري ضد »أكثرية الثلثين« من وزرائه الذين انحازوا إلى رئيس الجمهورية ضده في التصويت على الزواج المدني… الاختياري!
وأكد رئيس المجلس النيابي انه قوي بمن معه في السراء والضراء، أي في مواجهة »الرئيس الآخر« أو حتى »الرئيسين الآخرين« إذا لزم الأمر.
لكن تلك الجماهير التي قصدت إلى »المصيلح« لم تضف الى الرصيد المتهالك للمجلس النيابي، بل لعلها بحضورها قد أكدت غيابه، أو أقله استغناءها بالرئيس نبيه بري عن المجلس الذي يشحب دوره ويتضاءل يوميا، في اطراد عكسي مع تفاقم الأزمة السياسية الاقتصادية الاجتماعية التي تعصف بالبلاد.
وكذلك أكد رئيس الجمهورية باستعراضه التقليدي الذي يُمَدُّ فيواكب »مسيرته« وهو يتجه إلى »عرينه« في زحلة، أنه ليس أضعف من »شريكيه المضاربين«.
وفي هذه اللحظة بالذات كان إعلان التأييد للرئيس الهراوي يحمل في طياته (وفي لافتاته) الاعتراض على ما قيل فيه أو وُجِّه إليه من انتقادات كادت تكفِّره أو توقِّع عليه »الحرم«.
وحتى مع التسليم بقوة »الرئيس« فإن ذلك لا ينفي أبداً بل لعله يؤكد ضعف »الجمهورية« و»الرئاسة«..
هذا قبل أن نصل بالحديث إلى العرض الإسرائيلي الذي لا نستطيع أن نرفضه ولا نقدر أن نقبله حول »تنفيذ« القرار 425.
المفارقة ليست في السطور أعلاه، بل في أن اللبنانيين لا ينزعجون من اختلاف »الرؤساء« بقدر ما يضيقون ذرعاً باتفاقهم.
فالاتفاق، في تقديرهم وتجاربهم، يكون »عليهم«،
أما الاختلاف أو الخلاف فيكون على حساب »الجمهورية« ومؤسسات الحكم.
و»هم« يشعرون بأنهم ليسوا داخل تلك المؤسسات، أو أنها لا تمثلهم حقاً ولا تلبي احتياجاتهم وبالتالي فلا يفتقدون غيابها، يستوي في ذلك المجلس والحكومة ورئاسة الجمهورية.
أمس، وبينما كان كل من الرؤساء يتباهى بغرقه في بحر »جماهيره« المستعدة لأن تفتديه »بالروح والدم«، كان الانقسام يتجلى صريحاً (على مستوى الشارع) ومفزعاً، كأنما الدولة تفتقر إلى الروح والدم.
هل تكفي »المصالحة« الألف غداً لإنهاء هذا الوضع الشاذ؟!
وهل من الضروري أن ينفجر »الطلقاء« كما المساجين بغضب التمرّد ورفض الأوضاع المغلوطة القائمة، ليتنبه الذين جاؤوا باسم الحل الى أنهم قد باتوا مهددين بأن يتحولوا إلى أحد عناوين المشكلة؟!