تلقى رئيس تحرير »السفير« ردين على افتتاحية يوم الاثنين الماضي؛ الأول من الزميل المقيم في باريس منذ حين، بيار عطا الله، والثاني من امانة الاعلام في المجلس السياسي ل»القوات اللبنانية«.
وبرغم ما في الردين من قسوة في التجني تصل الى التجريح، فها نحن ننشرهما بالنص الحرفي، مع ملحوظة شخصية سريعة:
»برغم أن وجهي ما زال يحمل آثار رصاص محاولة الاغتيال، في 14 تموز 1984، فلسنا من دعاة الانتقام فكيف بالحرب بين الاخوة من أبناء الوطن الواحد؟!
»وبرغم كل ما تعرضت له »السفير« من قمع ومنع في كل المناطق التي سيطرت عليها »القوات اللبنانية« لسنوات، فلم تمتنع يوما عن نشر وجهة نظرها، ولا هي ستمتنع اليوم برغم ما في الردين من معطلات الحوار..«.
إلى: الأستاذ طلال سلمان المحترم.
من : بيار عطا الله باريس
قرأنا افتتاحيتكم نهار الاثنين في الثامن عشر من الجاري تعليقا على »جموع القوات« في ذكرى الرئيس بشير الجميل (الذي ترفض جريدتكم توصيفه بالرئيس) وفي ذكرى شهداء أيليج ميفوق (الذين ترفضون اعتبارهم شهداء عملا بمنطق الغالب والمغلوب وسياسة القهر).
ما يهمني انك سارعت الى النفخ في بوق الحرب والتحذير من الحرب الآتية وكأن القوات والعونيين والاحرار ليسوا إلا عصبة من المقاتلين الذين ما ان تستقيم احوالهم حتى يندفعوا الى القتال لا لشيء إلا حبا بالقتال في حين ان »غيرهم« كي لا نقول الاطراف المسلمين هم من ملائكة الجنة ورسل السلام ودعاة الوفاق والمحبة. ولن أطيل الشرح فمن الواضح ان احدا لن يتراجع عن قناعاته في لبنان، لا المسيحيين ولا المسلمين ولا حتى العروبيين وكل قبائل العلمانيين والتقدميين والوطنيين، وللامر صلة بالثقافة العربية التي ترفض الآخر وتعمل على سحقه أيا كان حجمه وشأنه. باختصار: لا تندهش يا أستاذ طلال مما رأيت، فما جرى الأسبوع الفائت هو ما ظهر الى السطح من جبل الجليد فقط والأمور أسوأ من ذلك بكثير نتيجة سياسة القهر والظلم والغالب والمغلوب التي ما فتئ أهل نظام الطائف وحلفاؤهم »الاقليميون« يدفعون في اتجاهها منذ عشر سنوات.
في اللغة اللبنانية: »لم يتركوا للصلح مكاناً«.
سُجن سمير جعجع وعوقب أشد عقوبة لأنه اراد تنفيذ اتفاق الطائف وتخلى عن فكرة الدولة من كفرشيما الى المدفون، أما العماد ميشال عون الذي رفض كل أفكار التقسيم واشتبك مع المؤسسة المسيحية لأنه اراد تجاوزها الى رحاب الوطن كما تعلم في مؤسسة الجيش اللبناني، واصر حتى الساعة على انه ليس زعيما مسيحيا، فقد عوقب على عمله بالنفي الى خارج لبنان ووُجهت الدبابات السورية لسحقه.
لماذا يقف المسيحيون الى جانب العماد عون والقوات اللبنانية والاحرار؟
الجواب بسيط جدا، لأن من في يدهم الأمر من جماعة نظام الطائف وأكثر قادة المسلمين لا يكترثون لأمر الشريك الآخر في الوطن ولا يقيمون اعتبارا ل45 في المئة من اللبنانيين وهم المليون ونصف مليون مسيحي، ويعتبرونهم »ضفادع تنق« جنوبا على ما قال نبيه بري، ويرون فيهم »ان البلد ماشي والشغل ماشي« حسب الحريري في بيروت. وتاليا من لا يعجبه الأمر من المسيحيين عليه إما السفر والهجرة من غير رجعة، وبالتنسيق مع سفارات كندا وفرنسا والولايات المتحدة العاملين من أجل توطين الفلسطينيين في لبنان كرمى عيون شعب الله المختار.
لقد أُدخل أكثر من خمسة آلاف شاب مسيحي الى السجون خلال الأعوام العشرة الماضية من اتفاق الطائف (واللوائح موجودة وتقارير منظمات حقوق الانسان متوافرة لديكم) ومنع ابسط اشكال التعبير عن الرأي، وجرى اعتقال المسيحيين والزج بهم في السجون بمناسبة ومن دون مناسبة فيما كانت كل مظاهر التطاول على الدولة وسلطاتها جارية على قدم وساق.
قتل أنصار الشيخ صبحي الطفيلي ضباط وجنود الجيش اللبناني ثم ترشحوا للانتخابات واقاموا المهرجانات امام سمع السلطة ونظرها وعيونها، التي لا ترصد إلا المناطق المسيحية فقط! في حين تعرض أهالي زحلة للقمع لأنهم حاولوا الابتهاج بزواج الياس سكاف! أليس كذلك؟
لقد أحرق أهالي العمروسية معمل معالجة النفايات ودمروه عن بكرة أبيه ولم يقل لهم أحد »ما احلى الكحل في عيونكم« في حين انهالت القوى الأمنية بأعقاب البنادق على أهالي الناعمة لأنهم حاولوا معارضة اقامة مكب للنفايات بين منازلهم! أليس كذلك؟
جرى تجنيس الآلاف من غير مستحقي الجنسية اللبنانية فيما حُرم مئات الآلاف من المغتربين من الجنسية اللبنانية لأنهم مسيحيون ولا نتذكرهم إلا بالدعوة الى الاستثمار في لبنان؟
جرى تهجير القرى المسيحية في الجنوب من دون اي تمييز بين العميل والمسكين و»المشحرين« فلماذا لم يحرك احد ساكنا، ضنا بالعيش المشترك بين 80 في المئة من الشيعة الذين يسكنون الجنوب و20 في المئة من المسيحيين الذين يسكنون تلك الانحاء، والذين جرى »حدلهم« في الانتخابات الاخيرة من دون اي اعتبار لقيمتهم كمجموعة بشرية لها آمالها وتطلعاتها؟
ثم ماذا عن قانون الانتخاب والنصر السني الكاسح في بيروت وماذا عن المسيحيين في الاشرفية والرميل والصيفي والجميزة والبدوي؟ وهل هم مجرد كائنات بيولوجية لا تقوم لهم قائمة ولا يحق لهم التعبير عن الرأي إلا لصالح اللوائح المفروضة عليهم من الزعامات السنية؟
وكذلك في جزين وشرق صيدا وبشري والكورة وغيرها، فهل يُساءَل المسيحيون بعدها، لماذا لم يشاركوا في الانتخابات بعد كل هذا القهر؟
أي مسيحي لن تثور كرامته وشرفه ويشعر بالمهانة والاذلال عندما يسمع بطريرك الموارنة ورمز كرامتهم قائلا: ان احدا في الدولة لا يريد ان يسمع كلمته وان احدا لا يكترث لأمره؟
كيف لا يصرخ المسيحيون ضد السوريين يا استاذ طلال سلمان فيما مواسم العنب والبطاطا في زحلة وجوارها، وكل المحاصيل (وأنت ادرى بأحوال البقاع) لا تجد اسواقا لها بسبب المنافسة السورية الضارية؟ إسأل تجمع مزارعي الجنوب وهو يأتيك بالخبر اليقين عن المواسم الكاسدة وايضا أهل الشوف عن الزيت والزيتون الذي لا يجد من يشتريه؟ اذا كان المطلوب ان يكون المسيحيون أهل ذمة لا يرفعون صوتهم إلا بالدعاء للسلطان، فذلك امر عسير لان أحكام أهل الذمة لم تسر علينا حتى الساعة، ولأننا لا نحتاج الى رخصة لترميم او بناء كنيسة.