الزعيم الأوحد ولو على »خازوق«!
… ولقد تحقّق لياسر عرفات ما سعى إليه دائمù من التفرّد والوحدانية واحتكار الرئاسات والصلاحيات المطلقة في كل »المؤسسات«، حتى بات وحيدù معزولاً على »قمة« اتفاقه المنفرد الذي أنكره »أهله« ثلاثù قبل صياح الديك!
وهو يتوغّل يوميù داخل الخطيئة ثم يلتفت إلى رفاق السلاح القدامى وإلى الأصدقاء مستهجنù »ابتعادهم« عنه ويلومهم على تخليهم وتقاعسهم عن نجدته،والتقدم إلى الغرق معه (أو فداء له) في بحر الظلمات الإسرائيلي!
وحكاية دعوته »اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية« إلى الانعقاد في القاهرة، قبل يومين، تقدم دليلاً جديدù على أنه بات أسير خطاياه، ولا يملك والارجح انه لا يريد أي تعديل او تبديل في اتجاه المراجعة واعادة النظر في مسلك الانحراف الذي قاده إلى النفق المسدود: لا هو حي فيرجى ولا ميت فينعى!
إنه متورّط بحيث لا يستطيع أن يذهب إلى »اللجنة« في مقرها الرسمي، والمعترف به في تونس، كما أنه لا يريد فعلاً أن يُضبط متلبسù »بمعاشرة« منظمة تحمل في اسمها كلمة »التحرير« إلى جانب كلمة »فلسطين«، وكليهما تعادل »الخيانة العظمى« لنهجه الجديد،
ثم انه أضعف من أن يستطيع استقدامهم أو سحبهم إلى مقر قيادته في غزة، حيث سيكونون مثله أسرى، داخل السجن الكبير الذي عهدت إليه إسرائيل بإدارته وترويض الثائرين والمتمردين فيه.
في تونس سيكون عرفات أقلية، برغم أصحاب الأصابع المرفوعة دائمù بتأييده، وسيتحوّل من »الرئيس« و»القائد« و»الزعيم« و»الحاكم« إلى متهم بجرائم خطيرة، فينقلب الاجتماع إلى محاكمة تنتهي قطعù بحكم يسلبه إضافة إلى الألقاب الفخمة القدرة على ادعاء تمثيل من يمثّل… أي أنه سيدخل »كبطل تاريخي« مزعوم ليخرج كمنتحل صفة، ومزوّر بملامح مهرّج هَرِم لم يعد قادرù على إضحاك الأطفال!
لقد أنجز في غزة: كانت واحة للحرية تمور بالثورة وتقض مضاجع الاحتلال الإسرائيلي، فحوّلها إلى معتقل كبير، يحتشد فيها العسس والمخبرون والأدلاء المقنّعون، وتُطارَد الحرية في شوارعها بالرصاص وتقدم الثوار إلى »محكمة أمن الدولة«، حيث لا دولة ولا قضاء ولا أمن إلا قمع الاحتلال وحرس حدوده الجديد.
أما فلسطين فما تزال تبحث عن أرضها وشعبها وكيانها السياسي.
ومن المفارقات ذات الدلالة ان عرفات يبدو وكأنه »لاجئ سياسي« الى الاحتلال الاسرائيلي، برتبة »رئيس سلطة الشرطة«، بينما الذين هم في موقع »اللاجئين السياسيين« في »المنفى«، وفي تونس بالذات، يملكون هامشù للحركة والعمل اوسع بكثير من هامشه المحاصر والمحصور بين شرطي الاحتلال المطالَب بشهادة حسن سلوك يومية ممهورة بدماء شعبه، وبين غضبة هذا الشعب الذي يولد اطفاله رجالا بحكمة الشيوخ!
ليس مع الاتفاق الا اولئك الذين خرجوا من تاريخهم مقتربين من موقع »المرتد«.. فهم خارجون على تنظيماتهم الاصلية، وخارجون على نضالات شعبهم، وخارجون على مبادئ ثورتهم التي منحتهم الاسماء والالقاب التي كانت محترمة ثم هجرها الاحترام عندما هاجروهم الى الموقع المضاد لارادة شعبهم.
لا شعبه في »الداخل« معه، لا سيما بعدما خذله في ابسط مطالبه الحياتية اليومية،
ولا شعبه في »الشتات« معه، خصوصù وقد تخلى عنه حارمù ملايينه من اسمى آمالهم في العودة والانتماء الى وطن طالما ضحوا من اجل ان يبقوا فيه، وطالما قاتلتهم اسرائيل لاخراجهم نهائيا منه فلم تفلح.
لا»النخب«معه ولا »الدهماء«من فقراء المخيمات،
المفكرون، الشعراء، الكتاب والمبدعون عمومù فضلوا التشرد في المنافي الباردة على الانضواء داخل »سلطته« البائسة،
رجال الاقتصاد واهل العلم والاختصاص والذين اعدوا انفسهم لكي يرجعوا بخبراتهم وما كسبت ايمانهم، والذين توهموا ان الساعة قد دقت فأقبلوا متسامحين بشأن ما افترضوه من »التفاصيل«، وجدوا ان ليس لهم مكان شرعي في »سجن غزة الذاتي«!
من اين ستجيء النجدة، اذن؟!
كلما طلبها من واشنطن احالته الى رابين، فاذا ما طلبها من رابين رده بجلافة وهو يقول: اتينا بك لكي تساعدنا وتعمل في خدمتنا، فاذا لم يعجبك الحال فاختر اي حائط وانطحه حتى تصطنع فيه مخرجù!
الزعيم الاوحد على »قمة الخازوق… وهو يستغرب ان يرفض رفاقه القدامى دعوته الكريمة الى مشاركته هذا المقعد المريح!!
هل من اغراء بالسلام الاسرائيلي اقوى من هذه الدعوة العرفاتية المفتوحة؟!