طلال سلمان

قوات امم متحدة من شاهد زور الى شاهد اثبات

مع التقدير لدور الأمم المتحدة وقواتها العاملة في لبنان، فمن الضروري ألا تغيب عن الأذهان مجموعة من الحقائق والوقائع ذات الدلالة، بينها:
1 ان اللبنانيين قد عبروا عن امتنانهم فاحتضنوا هذه القوات منذ وصولها الى أرضهم، وعاملوها بإعزاز لم يؤثر فيه عجزها عن أداء مهمتها، وعجزها بالتالي عن حمايتهم حتى وهم لاجئون الى معسكراتها، فكانت مجزرة قانا داخل هذه المعسكرات، وليس فقط عن تمكينهم من استعادة أرضهم من محتلها الاسرائيلي.
2 ان الاحتلال الاسرائيلي هو الذي اضطهد وأذل هذه القوات وحقّر علمها، فكان يخترق مواقعها برا ليعتدي بالقتل والنسف والاحراق على اللبنانيين في قراهم، أما جواً وبحراً فحدّث ولا حرج، إذ كان يحولهم الى مجرد »شهود زور«، يختبئون خوفا مثل المواطنين ضحايا الاغارات الاسرائيلية المفتوحة.
3 ان بعض هذه القوات، لا سيما بين قادتها ومستشاريها، قد فضلوا ان ينعموا بالهدوء وبوسائل الراحة في إسرائيل، بدل ان يعيشوا حالة البؤس التي كان يفرضها الاحتلال الاسرائيلي على لبنان كله، وعلى المناطق المحتلة على وجه الخصوص.
4 ان اللبنانيين لم يقتصوا يوما من أي جندي يعتمر القبعة الزرقاء، بذريعة الانتقام من موقف حكومة بلاده إن هو جاء مخالفا للعدالة ومحابيا لإسرائيل ومتجنيا على لبنان الضحية.
بل ان المقاومة، بمختلف فصائلها، و»حزب الله« على التحديد، لم تتعرض يوما لهؤلاء الجنود الذين صاروا »بعض أهلنا«، وقاسوا مثل ما قاسينا من هوس القوة الاسرائيلية، ومن طغيان النزعة العنصرية الاسرائيلية، ومن »الاحتقار« الاسرائيلي لدور الأمم المتحدة ولقواتها العاملة في لبنان.
5 ان هذه القوات التي منعتها »ظروف قاهرة«، إسرائيلية المصدر دائما، من ممارسة دورها الذي انتدبت لتنفيذه في لبنان، لن يكون لها العذر في المستقبل ان هي قصرت او تهاونت في أداء مهمتها المحددة في القرار الدولي 425.
6 ان هذه القوات إنما أتت وتبقى لمساعدة السلطة الشرعية في لبنان على بسط سيادتها على الاراضي التي احتلتها إسرائيل، وهي ليست في وضع »المراقب«… لا هي لجنة الهدنة، ولا هي »لجنة تفاهم نيسان«، بل هي مرجعية تمثل الشرعية الدولية، وعليها ألا تنسى صفتها المعنوية المؤثرة في أية لحظة.
لماذا هذه الملاحظات؟!
لأن أي إخلال بهذه المهمات سينعكس ضرراً فادحاً على لبنان.
ففي الماضي كانت هذه القوات »شاهداً أخرس« على اعتداءات اسرائيل وانتهاكاتها، وكانت تبرر التقصير بالعجز.
أما اليوم، وغداً، فيريد البعض تحويل هذه القوات الى »شاهد اثبات« ضد لبنان ومن خلفه ضد سوريا.
ولقد شهدنا بعض المحاولات لوضعها في هذا الموقع خلال المناقشات، ثم خلال محاولة إعادة ترسيم الحدود المضيعة أو المنتهبة، فصار الإلحاح عليها باستلام الارض المحتلة لتسليمها من ثم الى صاحبها الشرعي، لبنان، يصور وكأنه »تعجيز«، أو »تشهير« أو »ادانة مسبقة«، بينما لا تجد من اسرائيل إلا الرعاية والتعاون المفتوح.
علينا ان نكون أكثر دقة وأكثر صرامة وأكثر تحديداً في التعامل مع هذه القوات التي ليست »جيشاً وطنياً« ولا هي »قوة احتلال أجنبي« ولا هي مؤهلة أو قادرة كما انه ليس من حقها ان تنوب عن سلطتنا الشرعية.
لقد جاءت لأن لبنان ضحية اعتداء اسرائيلي مفضوح ومكشوف.
وهي لم تأت لتزكية القرار الاسرائيلي بالانسحاب، بل للتثبت من ذلك الانسحاب الذي تأخر تنفيذه، وتأخر عجز من أوفدها أي المجتمع الدولي أو الشرعية الدولية عن إلزام إسرائيل به لمدة 22 سنة.
وليس من العدل ان تصبح مهمتها الوحيدة إبراز أو التنويه بالتزام إسرائيل، والتشكيك بمسلك الضحية.. لبنان، وكأنه خارج على المجتمع الدولي والشرعية الدولية.

Exit mobile version