في بلاد الناس، تستنفر الحروب على الوطن القوى جميعاً وتقرّبها بعضها من البعض الآخر، فتتجاوز خلافاتها الفقهية ومنافساتها الانتخابية ، وتتسامح مع خصومها ، مبدّلة النكاية بالتضامن لمواجهة الخطر، بل الأخطار التي تتهدد الوطن، متضامنة، متساندة، متراصة الصفوف، بحيث لا يتمكن العدو من اختراقها والإفادة من انقساماتها التي لا يمكن أن ترقى بأسبابها الأصلية أو بتداعياتها إلى العداء ، ولا هي تحجب العدو فتغفل عنه لتنشغل بأغراضها وأحقادها والمناصب.
أما في بلادنا فإن الطبقة السياسية تثبت، مرة بعد مرة، أنها أقل أهلية من أن تتحمّل مسؤولية حفظ الوطن، فضلاً عن بناء دولته بما يتناسب مع كفاءات شعبه وقدرته على الإنجاز، وكذلك مع حقوقه الطبيعية في ممارسة خياراته وتوكيد جدارته بالانتماء إلى العصر.
ما معنى العجز عن تشكيل حكومة وحدة وطنية في بلد خارج من حرب إسرائيلية لا يستطيع الاطمئنان إلى أنها انتهت فعلاً، كما في لبنان، أو هو ما زال في حومة حرب إبادة مفتوحة كما في فلسطين تحت الاحتلال الإسرائيلي، أو وهو داخل دوامة حرب متعددة الأبعاد والمخاطر تتهدده في كيانه السياسي وفي وحدة شعبه وتكاد تلغيه، كما في العراق تحت الاحتلال الأميركي؟!
هل الوحدة الوطنية أخطر على البلاد من الاحتلال الأجنبي؟!
وهل الاتفاق على حكومة وحدة وطنية أصعب على السياسيين من مواجهة خطر تفكك الكيان أو تمزق وحدة الشعب في غياهب الفتن ومشاريع الحرب الأهلية؟
ألم يكن هؤلاء الأطراف جميعاً حلفاء و أبناء قضية واحدة ، بل رفاق سلاح إلى ما قبل شهور قليلة؟! ألم يواجهوا الناخبين كشركاء؟ فهل كانوا يخادعونهم أم يدلسون عليهم؟
ثم، هل لكل من هؤلاء وطن غير وطن الآخرين؟
وهل يُرهن المصير كله لشكل الحكومة وعدد وزرائها؟!
وهل يؤتمَن البعض على الدولة جميعاً إذا كان مستعداً لتخريبها مقابل مقعد في الحكومة التي تظل حتى لو دخلها الأطراف كلهم قاصرة عن القيام بالمهمات الثقيلة التي تفرضها المرحلة القاسية التي نعيش؟!
… وإذا كانت نظرة كل طرف إلى الطرف الآخر كأنه عدو ، فهل يزول العداء إذا لم توسّع الحكومة؟!
هل الحكومة هي القضية أم الوطن… وإذا كان الوطن في خطر ألا تصبح حكومة الجميع هي إحدى ضمانات سلامة الوطن؟! ألا تكون المشاركة في تحمّل المسؤولية تعزيزاً للجبهة الداخلية الحامية للوطن؟
هي أسئلة ساذجة، ربما، لكنها تبدو في لبنان الآن (وفي فلسطين الغارقة في دمها) أشبه بقرار ظني في اتهام القيادات بالمسؤولية عن تعريض سلامة الوطن بدولته ومواطنيه لخطر أفظع وأقسى من الحرب الإسرائيلية.