طلال سلمان

قراءة أولى في قمة طهران

حصر الخسائر التي مُنيت بها السياسة الأميركية أسهل بكثير من حصر المكاسب التي جنتها إيران الثورة الإسلامية من انعقاد القمة الإسلامية فيها،
ليس بالضرورة أن تكون كل خسارة أميركية مكسباً لإيران، لكن محصلة الحساب تضيف الهزيمة الجديدة في طهران إلى الهزيمتين السابقتين اللتين مُنيت بهما السياسة الأميركية في مؤتمر الدوحة ثم في حربها الجديدة غير المبرّرة على العراق.
على أن كل خسارة أميركية هي بالضرورة، وفي هذه اللحظة بالذات، هزيمة إسرائيلية، حتى لو لم يكن العرب قادرين على تحويلها إلى نصر محسوس.
وما يصدق عن الولايات المتحدة يصدق عن إسرائيل:
إلى ما قبل فترة وجيزة كانت السياسة الأميركية تستنفر »صداقاتها« وشبكة مصالحها الهائلة على امتداد الدنيا، لفرض حصار شديد على »العصيان الإيراني«، وتحاول أن تلصق بطهران صورة راعي الإرهاب العالمي ومنطلقه ويده الضاربة، وعبر مثل هذا الاتهام كانت تحاول أن تستعدي العالم كله ضد الإسلام غير الأميركي، وهو الإسلام الذي ينادي بتحرير الأرض والإنسان.
وإلى ما قبل فترة وجيزة كانت إسرائيل (لا سيما أيام الثنائي رابين بيريز) قد تحولت من قوة عدوانية مرفوضة في المنطقة، إلى مشروع شريك أساسي وصاحبة دور غير منكور في رسم مستقبل المنطقة، ثم تقدمت لمحاصرة القلاع الأخيرة للصمود في وجه عدوانيتها الدائمة ومشروعها التوسعي، داخل فلسطين وفي سوريا ولبنان، بل وكادت تنجح في إيهام العالم بأن مقاومة الاحتلال إرهاب وتخريب للسلام وأن الاعتراض على الهيمنة والسياسة التوسعية الاستيطانية لا يعني إلا معاداة الحضارة الغربية.
أكثر من ذلك: كانت إسرائيل قد بدأت تجتاح، تحت لافتة السلام المزوّر، المنطقة العربية والدول الإسلامية، التي أخذ العديد منها يتجه باللوم إلى الصامدين والمنبّهين الى أخطار مشروعها التوسعي،
كذلك كانت إسرائيل قد نجحت في الترويج لصورة الإسلام كبعبع مخيف، يتقدم سريعاً وعبر ضرباته الارهابية لاكتساح الحضارة الغربية وتدمير التقدم الإنساني تمهيدا لأن تجعله العدو الأول للغرب، كوريث للاتحاد السوفياتي ومعسكره الاشتراكي طيب الذكر.
اليوم، وعبر هذا المؤتمر المفصل في طهران تتهاوى حلقات الحصار من حول قلاع الصمود، من إيران إلى سوريا إلى لبنان المقاوم إلى فلسطين التي ترفض تذويبها جزراً مضيَّعة في بحر المستوطنات الإسرائيلية، إلى القاهرة الرافضة الابتزاز الإسرائيلي الأميركي اليومي وتهديدها بتجويعها وضربها بذراع الارهاب التي تحمل الدمغة الإسرائيلية الأميركية.
يتحول العازل الى معزول، وبشكل فاقع ومدو أكثر مما كان في مؤتمر الدوحة، التي لا تبعد عن طهران إلا بمسافة حاملة طائرات أميركية،
وإنه لأمر لافت أن يكون هذا النصر السياسي قد تحقق على أيدي »عرب الاعتدال« الذين لا يخفون صداقتهم لواشنطن، قبل أن تكون قد حققته طهران الثورة و»التطرف« كما أراد الغرب الأميركي وما زال يريد تصويرها.
فليس حدثاً عابراً أن يقف ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز على منبر طهران مطالبا المسلمين »في هذا المنعطف المهم من تاريخهم المشترك بأن يكرسوا روح التضامن والتعاضد في ما بينهم« مؤكدا أن »التحدي الأهم الذي نواجهه يتمثل في العجز عن محاذاة الشعوب المتقدمة صناعيا وتقنيا، هذا العجز مرده في الأساس حالة الانقسام والتبعثر التي تعاني منها أمتنا حين تتنازعها مئة راية ويمزقها مئة شعار وتتجاذبها مئة سياسة بما يتعارض مع أكثر خصائص هذا العصر بداهة وهي استحالة تحقيق الكيانات الصغيرة أي وزن أو مكانة في مجتمعنا الدولي المعاصر«.
إن كل خطوة ابتعاد عن واشنطن تقرّب المسلمين أكثر فأكثر من بعضهم، فكم بالحري الابتعاد عن إسرائيل، وصولا إلى مواجهة مشروعها للهيمنة عليهم كافة، في دولهم المتخلفة، وليس على العرب وحدهم؟!
إنها فرصة لمراجعة الذات، واستعادة التضامن المفقود،
من هنا يمكن فهم نبرة الاعتدال التي طبعت خطاب الرئيس السوري حافظ الأسد أمام المؤتمرين: »ان أطماع إسرائيل تشكل خطرا حقيقيا على مجموع المسلمين مظاهره ماثلة على أرض الواقع… وإذا كانت إسرائيل تجد في ما يتدفق عليها من دعم خارجي مصدر قوة لها، فإنها في الوقت ذاته عملت منفردة ومع غيرها لبث الفرقة في صفوف العرب والمسلمين«،
تكفي خطوة أولى للابتعاد عن الحماية الأميركية، وللتعرف الى الذات والى المصالح المباشرة للدول المتجاورة والمتماثلة في أوضاعها البائسة، وفي الشروط المذلة التي تفرض عليها في السياسة كما في الاقتصاد والثقافة الخ..
تلك الخطوة الأولى ازاء واشنطن تقتضي على الفور ابتعادا عن إسرائيل، واستعادة لصورتها لأصلية كقوة عادية، غربية المنشأ والمصلحة، ليست من المنطقة ولا تريد أن تكون منها، تطمح إلى الهيمنة عليها وعلى كل ما جاورها مستعينة بالسيف الأميركي المعزز الآن بالخنجر التركي.
وإذا كان مرشد الثورة الإسلامية في إيران قد وصف سوريا بأنها العماد الأساسي للكفاح ضد الصهيونية، وانها على خط الجبهة مع إسرائيل، فهو قد وصف القمة بأنها »مناسبة طيبة للافادة من إمكانات العالم الإسلامي لمواجهة النظام الإسرائيلي الغاصب«.
الاعتدال ازاء واشنطن أو حتى »صداقة الأقوياء معها« لا تستدعي بالضرورة الخضوع لمقتضيات المشروع الاسرائيلي بالهيمنة على المنطقة،
فالاعتدال في طهران غيره في أي مكان آخر: إنه تصحيح لأسلوب القتال وليس خروجا من الميدان أو التحاقا بالعدو.
وبعد قمة طهران ستختلف سياسات كثيرة في المنطقة عما كانت قبلها، لا سيما في ظل هذا العمى الإسرائيلي الذي يحكم حركة واشنطن.

Exit mobile version