طلال سلمان

قمة اكراة

فريدة في بابها هذه »القمة بالإكراه« التي تنعقد في شرم الشيخ، اليوم.
إنها تعقد، بداية، بتجاوز صريح ومعلن لرغبة »مضيفها« الرئيس المصري حسني مبارك، حتى لا نقول »بالرغم منه«، خصوصا وأنها تكاد تجهض دعوته إلى القمة العربية، أو تفرغها من مضمونها، وتكاد تفرض عليها جدول أعمال مختلفا وتحت سقف أكثر انخفاضا مما يتطلبه الحد الأدنى من احتمالات النجاح.
ثم انها تنعقد من دون أي عنوان سياسي، فتتخذ شكل »اللجنة الأمنية العليا« الآتية للنظر في »أعمال العنف المتبادل« بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بعيداً عن جوهر الموضوع السياسي الذي تسبب بالانفجار وهو المطلب الفلسطيني بالاستقلال وبإقامة دولته فوق أرضه وبالقدس (الشرقية) عاصمة لها.
فشعب فلسطين كله تحت الحصار (بمن في ذلك من تطلق عليهم التسمية الظالمة والمزورة »عرب إسرائيل«)، ودبابات الاحتلال تسد عليه منافذ الضوء وتمنع تواصله، وبنادق القتلة تسد منافذ الرزق على مجموع الفلسطينيين في مدنهم وقراهم والمخيمات، وتطارد برصاصها كل من يتحرك أو يرفع صوته بالاحتجاج أو بالوجع،
ثم ان إسرائيل قد ألغت فعليا كل الاتفاقات السابقة، وألغت معها »الشريك الفلسطيني« فقصفت مقار »السلطة« وشرطتها البائسة وعطلت القليل من »المؤسسات« التي تملك،
روسيا مرفوضة، برغم كل ما قدمت من تنازلات، وأوروبا مدعوة كأنما بمذكرة جلب وفي دور رمزي، أما الأمم المتحدة فأشبه بشاهد الزور..
ذلك أن الأمين العام الذي »فرغ نفسه« لمهمة لا يملك تفويضا أو تكليفا فيها من المنظمة الدولية، لن يستطيع التذكير بالقرارات المنسية والمهملة بل المحقرة، التي سبق للأمم المتحدة أن أقرت بها الحقوق الفلسطينية، وسياقها طويل ترجع بدايته إلى لحظة إقامة إسرائيل ذاتها، أي أكثر من نصف قرن،
قد يمكن توصيف هذه القمة بأنها »محاولة لإنقاذ الإسرائيلي من نفسه وبرغم أنفه«، خصوصا وأن جنون الدم قد فضحه أمام العالم، وجدد موجة التعاطف مع المطلب الفلسطيني المحدود والذي لم يعد ينكره أي إسرائيلي عاقل أو مهووس!
وقد يمكن اعتبارها محاولة لفرض وصاية دولية على الشعب الفلسطيني تكاد تكون بمثابة الوجه الآخر للحماية الدولية لإسرائيل.
لكن المؤكد أن هذه القمة المفروضة والمرتجلة قد »ألغت« الدور العربي الطبيعي في القضية الفلسطينية أو أنها حجَّمته، وبالتالي فهي قد حجَّمت سلفا القمة العربية التي ما كانت لتنعقد لولا »ثورة القدس« بكل الأبعاد التي اتخذتها معبرة عن عمق الجرح العربي وعن كثافة الغضب العربي وعن مدى هزال النظام العربي ومدى بعده عن آمال جماهيره المقموعة والممنوعة من النزول الى الشارع ورفع صوتها ولو بالألم!
لكأن »القمة بالإكراه« في شرم الشيخ تستهدف تحويل القمة العربية في القاهرة إلى »لجنة مصادقة« على نتائجها، كائنة ما كانت هذه النتائج،
فلن تستطيع قمة الضعفاء والخائفين من شعوبهم أكثر من خوفهم من إسرائيل، بعد أيام أن ترفع السقف الذي سيفرضه الأميركي ومعه الإسرائيلي، في شرم الشيخ، اليوم.
بل لعل القمة العربية ستجد نفسها تلتئم بغير موضوع بعد أن سحب منها الموضوع الفلسطيني وحددت له مرجعية وحيدة هي الولايات المتحدة الأميركية، حتى لو كانت برئيس يمضي أيامه الأخيرة في البيت الأبيض، وهمه الأول والأخير تأمين النجاح لخلفه على حساب أي قضية، وفي أي مجال، وفي أي مكان في الدنيا.
ولعل حادث الانفجار في المدمرة الأميركية في عدن هو الذي حسم تردد الرئيس الأميركي وجعله يلح على هذه القمة، أكثر من الدم الفلسطيني الذي غمر الشوارع على امتداد فلسطين، وفرض على العرب أن ينتبهوا إلى أنهم غدوا بلا قيمة لا في بلادهم ولا في العالم.
القمة العربية، مثل فلسطين، تحت الحصار!

Exit mobile version