طلال سلمان

قضية حرية واحدة

استفاق اللبنانيون صباحاً على خطأ سياسي فادح تمثل بالهجوم العسكري غير المبرر على مخيم اللاجئين الفلسطينيين في بعلبك (مخيم الجليل)، وهو يكاد يكون حياً يحتشد فيه آلاف الفقراء المعدمين والمتروكين للريح، والذين لم تؤخذ عليهم مخالفة جدية أو »تمرد مسلح« بل ولم يلجأوا يوماً الى »العصيان المدني«، وليست لهم مشكلة مع السلطة على الإطلاق، برغم أوضاعهم البائسة التي يعيشون فيها »من قلة الموت«.
أما بعد الظهر فقد فوجئ اللبنانيون »بتدبير احترازي« لم يستطيعوا قبوله أو التسليم بعدالته، وهو الحكم الذي صدر عن محكمة المطبوعات وقضى »بإقفال تام لمحطة أم. تي. في«، والذي جرى تنفيذه بالفعل قبيل الغياب، فصارت شاشة المحطة بيضاء، وتم ختم مكاتبها بالشمع الأحمر، وسط حركة احتجاج شعبية واسعة.
ومع الاحترام الواجب للقضاء، فإن الحكم »القابل للمراجعة والتراجع« لا يمكن أن يقرأه الناس إلا بالسياسة، ومن ضمن سياق المواجهة المفتوحة منذ حين بين السلطة وبين هذه المحطة التي قد يختلف الكثير من اللبنانيين مع توجهاتها وجموحها السياسي الذي ربما رأوا فيه »تطرفاً« لا يحتمله الوضع الهش في البلاد المنهكة بعد بالجراح التي تسببت فيها السياسات قصيرة النظر أو التهييجية ضمن مناخ طائفي قابل للاشتعال بعد.
إن القضاء هو الضمانة الأولى للحريات العامة وللديموقراطية، أو هكذا نرى دوره… وهو فوق الصراعات السياسية والخلافات والمناكفات التي تبدأ شخصية ثم تجد من يستثمرها سياسياً ولو باللجوء الى سلاح الطائفية.
القضاء فوق السلطة التنفيذية، وهو مستقل عنها كضمانة لنزاهته.
وإقفال وسيلة إعلامية من الدرجة الأولى، وبمعزل عن النهج السياسي الذي تعتمده، سابقة خطيرة لا يمكن السكوت عليها في بلد يعتمد الديموقراطية أساساً لنظامه ويقدم نفسه للعالم عموماً ولأخوانه العرب على وجه الخصوص باعتباره واحة الحرية والشارع الوطني العربي والمنتدى الفكري والمنبر الإعلامي الأول والمطبعة والكتاب وجريدة الصباح، ويمكن أن نضيف: وتلفزيون المساء.
و»السفير« التي سبق أن كانت ضحية العقاب السياسي باستغلال تبعية النيابة العامة الاستئنافية للسلطة التنفيذية، لا يمكنها إلا أن تتضامن مع هذه المحطة بغض النظر عن مدى التوافق أو الاختلاف معها في الكثير من المواقف التي حوّلتها الى المنبر المعارض الرقم واحد.
إن قضية الحرية واحدة، والدفاع عن حق التعبير، قولاً وكتابة وبثاً إذاعياً وتلفزيونياً، واجب وطني…
وهو بين المهمات المقدسة للقضاء قبل أن يكون مطلباً طبيعياً للناس، كائنة ما كانت آراؤهم، طالما ظلت في خانة التعبير عن مواقفهم.
وأبسط الحقوق العامة هو حق الاختلاف مع الحاكم.
وأمس كان لبنان ضحية مرتين!

Exit mobile version