عاد الوزراء من »مؤتمر اليأس« الذي انعقد لرثاء القدس في أحضان لجنتها الملكية بالدار البيضاء في المغرب الأقصى.
لم يكن لدى أي منهم خبر مفرح، لذا اكتفوا بتصريحات عتيقة عن أهمية القدس وخطورة الاجراءات التي تقدم عليها حكومة نتنياهو (استكمالاً لما كان بدأه أسلافه)، ومناشدة لدول العالم، مجتمعة في المنظمات الدولية، أو منفردة، بضرورة التدخل لحماية الطابع المميز للمدينة المقدسة.
صار الوزراء يستثقلون السفر، ويتهربون من المؤتمرات واللقاءات الموسعة، وبرغم براعتهم في الكلام المفرغ من مضمونه مهما اتقنت صياغته، فقد باتوا يخافون من مواجهة الكاميرات ومن لقاء الصحافيين ممن يسألون ويناقشون ويلحون طلباً للفهم، وليس لتصيّد »قفشة« أو زلة لسان أو شتيمة مغفلة لا يعرفها إلا مائة مليون إنسان إضافة إلى المعني بها!
كان الاجماع مطلقا ويمتد من الأساسيات إلى التفاصيل:
1 إجماع على أن إسرائيل ماضية في خطتها خصوصا وأن لا قوة (عند المعترضين) لوقفها، أي لإجبارها على إسقاط شعارها الاستفزازي!! بأن »القدس عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل«.
2 إجماع على أن الاتفاقات المعقودة، مع الفلسطينيين أساساً، ثم مع سائر الدول العربية، لا تكفي لاستنقاذ بيت واحد في القدس العربية، هذا في حال تنفيذها، فكيف وإسرائيل لم ولن تنفذها!
3 إجماع على أن الولايات المتحدة الأميركية لم تعد معنية (أو غير قادرة، لا فرق) »بالعملية السلمية« التي كانت قد رعت انطلاقتها مع ضمانات خطية لنتائجها،
4 إجماع على أن أوروبا لا تستطيع، حتى لو رغبت، أن تقوم بأي دور جدي وفعال، إلا من داخل الدور الأميركي و بترخيص خاص من تل أبيب، وكلاهما مستحيل!
5 إجماع على أن الدول الإسلامية أسوأ حالاً من الدول العربية، فهي مختلفة إلى حد الاحتراب أحياناً، وهي ضعيفة عموماً ومسلوبة الإرادة ومعطلة القرار،
6 إجماع على أن أي حديث عن »السلام« هو حديث خرافة، ليس فقط لأن نتنياهو لا يريده بل أساساً لأن العرب لا يملكون أن يفرضوه، ناهيك بأنهم لا يملكون تصوراً مشتركاً لمضمونه أو لتفاصيله.
7 إجماع على أن »المهرولين« العرب ما زالوا يواصلون »الهرولة«، معظمهم لأنه لم يترك لنفسه خياراً آخر، فصار الرجوع عن الخطأ انتحاراً، في نظره، وليس فضيلة.
8 إجماع على عجز العرب، كعرب، على العودة الى ما كان من سياساتهم ومواقفهم قبل اتفاقات الإذعان مع إسرائيل… فلا مجال، مثلاً، لوقف التطبيع عند من تورطوا بالرضا أو تحت التهديد فطبَّعوا. كذلك لا تمكن العودة الى سلاح المقاطعة، اقتصادياً، لكل من يساند إسرائيل فيبيع ويشتري منها من دون أن يساوره أي قلق على مصالحه في الوطن العربي.. الكبير!
9 إجماع على أن الوضع الفلسطيني إلى مزيد من التردي والانهيار، مما سيلحق مزيدا من الأذى بالوضع العربي العام، المتردي بدوره والمهدد بانهيارات غير محدودة.
10 إجماع على أن ليس بقدرة أحد أن يساعد أحدا، فكل من المؤتمرين غارق في همومه ومشكلاته الداخلية (السياسية والاقتصادية والاجتماعية) بحيث لا يكاد يتبين طريقه، وقد أصابه عجز الادارة الأميركية باليأس المطلق، فلم يعد يعرف ماذا يفعل وإلى من يذهب بشكواه وكيف يمكنه تجنّب الأسوأ، وهو آت لا محالة!
ماذا يُنتج اجتماع المفلسين، اليائسين، العاجزين، والمهددة أوضاعهم الخربة بالفساد المتفاقم كما بالنقمة متعددة المصادر والتي ليس لها »شكل« أو »تنظيم« أو »قيادة« محددة يمكن أن يقضى عليها فتستعاد راحة البال والشعور بالأمان؟!
الحديث عن القدس، لكن كلاً منهم مشغول البال بما يجري أو قد يجري في عاصمته!
بعض البلاد ينفذ عقوبة الحصار المفروض من خارج،
وبعضها الآخر يعيش حصاراً مفروضاً من الداخل،
والبعض الثالث يعيش أسير حصارين من الخارج وقبله من الداخل، والأخير هو الأقسى،
بعض البلاد يعيش قلقاً عارماً بسبب انهيار سمعة الرئيس الأميركي بيل كلينتون،
وبعضها الآخر يعيش هاجسا مفزعا نتيجة خوفه على صحة سلطانه العليل والذي لا يعرف إن كان سيعود ليقدم إليه تقريره، أو ليقدم تعازيه إلى ورثته المصطرعين على تركته؟!
كيف ينقذ »القدس« من هو بالإنقاذ أولى؟!
كيف يتسع فكر المسكون بالقلق على مصيره الشخصي (وعائلته) للاهتمام بقضايا شائكة وبالغة الصعوبة ومستحيلة الحل (في ظل الضعف المستشري) مثل »القدس« التي صارت مجموعة تفاصيل وأحياء وأزقة ومبان، ومثل فلسطين التي يساوم المساومون على جلدة وجهها ولا يتعبون؟!
إنه زمن إجماع العاجزين، المختلفين على كل شيء، والمتفقين فقط على عدم القيام بأي شيء، حتى لا تهتز أوضاعهم فيسقطهم الاهتراء!
فقط، لو تتوقف لقاءات الإجماع هذه، لكي يتم توضيح الحدود بين »المهرول العاجز« و»العاجز عن الهرولة«،
والصديق الأميركي يبدو الآن عاجزاً حتى عن حماية المهرولين فكيف بالعاجزين عن الهرولة، ناهيك بالذين رفضوا من الأصل أن يهرولوا؟!