ليس سراً أن العلاقات المصرية السورية تعاني منذ بعض الوقت من نقص في حرارتها، أبرز دلائله توقف اللقاء الدوري الذي كان يجمع قيادتي البلدين لتبادل المعلومات والتشاور وتنسيق المواقف، لا سيما في ما يتصل بتداعيات الطور الراهن للصراع العربي الإسرائيلي، والذي يعطى اسماً مضللاً هو »العملية السلمية«.
فمنذ شهور يفتقد المصريون حضور الرئيس السوري حافظ الأسد إلى القاهرة، كما يفتقد السوريون حضور الرئيس المصري حسني مبارك إلى دمشق، ويفتقد العرب عموما هذا اللقاء الدوري الذي كان يستبقي شيئا من الأمل بنواة لموقف عربي مشترك (حتى لا نبالغ فنعتبره »موحداً«)، يمكن أن يشكل قاعدة للقاءات موسعة أكثر، قد تمهّد لقمة مرتجاة بقدر ما تبدو مستحيلة أو متعذرة الانعقاد… أقله حتى إشعار آخر.
وللنقص في المعلومات المتاحة حول أسباب هذا »الخلل« في العلاقات الطيبة بين العاصمتين العربيتين الأساسيتين، كان بديهياً أن يوجه العرب الاتهام إلى الضغوط الأميركية مشفوعة بمحاولات الابتزاز الإسرائيلية وتأثيراتها المحتملة على الحركة السياسية المصرية بقصد لجمها، أو إشغالها بتفاصيل الموضوع الفلسطيني والتنازلات المتوالية على مساره المتهالك، عن دعم الصمود السوري (واللبناني).
بل لقد تبدى، وكأن واشنطن تحاول في لحظات محددة »تحييد« القاهرة عن احتضان الموقف الفلسطيني، حتى إذا ما أخضعته إسرائيل لابتزاز جديد، عادت واشنطن لمطالبة القاهرة برعاية »الإخراج المناسب« للتنازل الجديد (كما حصل مرة في طابا، ومرة أخرى في القاهرة ذاتها، ومرة ثالثة في شرم الشيخ)..
وكان من شأن هذه اللعبة، التي تكررت مرارا حتى باتت مكشوفة، أن تنشر بعض الغيوم في سماء العلاقات المصرية السورية.
على أن المؤكد أن الضعف الذي أصاب الحركة الأميركية وعطل دورها الأساسي في رعاية »العملية السلمية« التي »ابتدعتها« واشنطن وأطلقتها كجائزة ترضية للعرب بعد »حرب الخليج الثانية«، قد أسهم في التشويش على الدور المصري وحاصره فحصره ضمن حدود لا تزعج إسرائيل، لا سيما بعد »خلع« نتنياهو بتهمة »التطرف«، والنجاح في تسويق إيهود باراك (ولو لفترة قصيرة) »كصانع سلام« أتت به »الإرادة الشعبية« للإسرائيليين معززة بدعم أميركي علني فتح له أبواب العواصم العالمية (وبعض العواصم العربية).
لعل القاهرة، الآن، أكثر وعياً بحقيقة الموقف المتهافت للادارة الأميركية، كما بحقيقة باراك، الذي لم تعد مناوراته المتواصلة تفيد في التغطية على تفوقه في التطرف (فعلياً) على سلفه الصالح نتنياهو،
ولعل التصريح الذي أدلى به أمس الدكتور أسامة الباز حول التهديدات الإسرائيلية الموجهة ضد سوريا، وقد وصفها فيه ب»الجوفاء«، وبأنها »لا تهز الموقف العربي على الإطلاق«، هي إشارة أولى ستليها إشارات وخطوات عملية، تعيد وصل ما انقطع على صعيد العلاقات الخاصة جدا التي تربط القاهرة ودمشق، والتي بين عناوينها »رفقة السلاح« والصداقة الشخصية »التاريخية« بين الرئيسين حسني مبارك وحافظ الأسد… إضافة الى ضرورتها الحيوية للبلدين الشقيقين.
لقد مرت على العرب عموما، وعلى العاصمتين الكبيرتين بالذات، ظروف عصيبة خلال الشهور القليلة الماضية، على أن الآتي سيكون أصعب وأقسى… والتهديدات الإسرائيلية مرشحة لأن تعبّر عن نفسها ميدانياً، لا سيما في لبنان، وليس التلويح بالانسحاب من طرف واحد إلا مجرد مؤشر على انتقال باراك إلى الهجوم المباشر، بينما المطلوب منه هو الالتزام بما كان تمّ الوصول إليه في المفاوضات المقطوعة مع سوريا قبل 42 شهرا.
والخطر داهم، وبديهي أن يستعد الجميع لمواجهته، لأنه سيصيب الجميع.
وأول شروط الاستعداد أن تستعيد العلاقات المصرية السورية صفاءها… وهو مطلب عربي عام.
طلال سلمان