طلال سلمان

نتنياهو يزايد على “اليمين” في “صفقة باريس”

غزة ـ حلمي موسى

في اليوم السابع عشر بعد المئة، وعلى الرغم من طول الحرب وشدتها فإن الامل لا يفارقنا بقرب انفراج الغمة وانكسار العدوان وزوال الاحتلال.

***

من الواضح أن “قمة باريس” الاستخبارية، التي عقدت بدفع من الإدارة الأميركية، قد أفلحت في محاولة فصل أزمة تبادل الأسرى عن ارتباطها بوقف النار من خلال وضع خطة ذات المراحل.

وبرغم أن خطة المراحل تتحدث تفصيليا عن المرحلة الأولى، وتترك تفاصيل المرحلتين التاليتين لمفاوضات من المفترض أن تجري لاحقا، على أمل ان تسهم هدنة المرحلة الأولى في إقناع الطرفين بعدم جدوى الحرب، إلّا أن ذلك لم يحدث.

وبالرغم من أنه من السهل تحميل الضحية، أي الطرف الفلسطيني، مسؤولية استمرار الحرب، كما سبق لواشنطن أن فعلت مرارا، إلّا أنّ الواقع يشهد على أن الذنب يقع على إسرائيل وحكومتها أولا وقبل أي طرف آخر.

وتكفي الإشارة إلى حقيقة أن مسؤولين إسرائيليين وأميركيين وأجانب وعرب يقرّون بأن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مصلحة شخصية في إدامة الحرب واستمرارها، لأن توقّفها يضع رأسه تحت المقصلة، ليس بسبب “الفشل” في 7 اكتوبر وحسب، وإنّما أصلا بسبب ما يسمى بـ “المفهوم” الذي صاغه ومفاده بأنّ الإبقاء على الانقسام الفلسطيني يتيح لإسرائيل تجنب الاضطرار للقبول بتسوية سياسية.

ولكن، ثمّة أيضا من يعتقد أن نتنياهو فشل في إدارة الحرب وأن تحديد هدفين متناقضين لها ساهم في إطالة أمدها لدرجة أنها باتت تهدد أسس الكيان الصهيوني ومستقبله ذاته.

وبعيدا عن التحليلات التي تطرح هنا وهناك، لاحظت صحيفة “هآرتس” أن “الوسيط الحقيقي في الصراع ليسا قطر ومصر، وإنما نتنياهو نفسه الذي يتوسط بين “حماس” وبين وزرائه المتطرفين من أمثال سموتريتش وبن غفير”. ولكن ربّما الأصح هو أن هذه ” الوساطة” تعبر عن موقف نتنياهو الحقيقي وهو أقرب إلى مواقف كل من سموتريتش وبن غفير. ويشهد على ذلك سماحه لوزرائه بالمشاركة في “مؤتمر الانتصار” الذي دعا الى إعادة الاستيطان في قطاع غزة، وهو المؤتمر الذي أثار عاصفة من الاحتجاجات الدولية.

“خطة باريس”

وبالعودة إلى خطة المراحل لتبادل الأسرى، فما إن جرى تسريب بعض تفاصيلها حتى قامت الدنيا ولم تقعد في حكومة نتنياهو. وانطلقت التهديدات بتفكيك الحكومة من سموتريتش وبن غفير. فالمسألة في نظر المتطرفين لا جدال فيها: إما نحن وإما هم.

ووصف وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير الصفقة بأنها “صفقة غير شرعية”، ستؤدي إلى الإطاحة بالحكومة، مضيفا أن نتنياهو تعهد الآن بعدم إطلاق سراح آلاف الإرهابيين”.

وقد دفع ذلك نتنياهو لتوضيح موقفه، مختارا القيام بذلك في الكلية الدينية شبه العسكرية في مستوطنة عاليه في الضفة الغربية المحتلة. وتضم هذه الكلية طليعة العسكريين المتدينين في جيش العدو.

وتوّجه نتنياهو إليهم قائلا إنه يسعى من أجل “نصر كامل، ليس أقل من ذلك، وأنا ملتزم بذلك، ومقاتلونا ملتزمون به، والغالبية المطلقة من الشعب ملتزمة به. ولن نرضى بأقل من النصر الشامل”.

أضاف: “أسمع تصريحات عن كل أنواع الصفقات، لذلك أريد أن أوضح: لن ننهي هذه الحرب بأقل من تحقيق جميع أهدافها … وهذا يعني القضاء على حماس، وعودة جميع مختطفينا، وتحقيق الوعد بأن غزة لن تشكل تهديدا لإسرائيل بعد الآن. لن نخرج جيش الدفاع الإسرائيلي من قطاع غزة ولن نطلق سراح آلاف الإرهابيين. لن يحدث أي من هذا. ماذا سيحدث؟ النصر المطلق.”

ويأتي الحديث عن آلاف الأسرى الفلسطينيين في ظل تقارير أفادت بأن الخطة تقترح تحرير بين مئة ومئتي معتقل فلسطيني مقابل كل مختطف إسرائيلي في المرحلة الأولى، والتي يفترض أن تشمل كبار السن والمجندات والمرضى وعددهم ما بين ٣٥ الى ٤٠ مخطوفا.

وقال أرييل المالح، رئيس مستوطنة عاليه الذي شارك في اللقاء مع نتنياهو إنه “إلى جانب شعب إسرائيل بأكمله، فإن سكان عاليه يقدمون لك وللحكومة تأييدهم للاستمرار حتى النصر. وأي توقف في منتصف الطريق سيعتبره العدو بمثابة انتصار علينا واستسلاما من جانبنا. الثمن المطلوب منا غال جدا، لكن إذا لم نكمل العمل، لا قدر الله، سندفع أثمانا باهظة وكبيرة”.

وخارج الاجتماع، تظاهر الأهالي رافعين لافتات كتب عليها “وقف المساعدات الإنسانية” و” إطلاق سراح الإرهابيين = انتصار لحماس”.

وكان رئيس المعارضة يائير لابيد قد أعلن في وقت سابق أنه سيمنح الحكومة “شبكة أمان” لإبرام أي صفقة من شأنها أن تعيد المختطفين الـ 136 الذين تحتجزهم حماس. وجاء كلامه على خلفية كلام بن غفير الذي يهدد بالانسحاب من الحكومة.

وفي الواقع، هي رسالة من لابيد إلى نتنياهو، مفادها أنه مستعد للدخول في الحكومة للمساعدة في تمرير الصفقة – والبقاء لفترة محدودة. وليس المقصود هو تقديم خدمة لنتنياهو، بل استبدال بن غفير في الحكومة لفترة مؤقتة.

وتجدر الإشارة الى أن المتطرفين في حكومة نتنياهو عمدوا الى تحريض أعضاء الكنيست على رفع الصوت ضد الصفقة. وطالب أعضاء من الكنيست لجنة الخارجية والأمن بفتح نقاش حول الصفقة قبل قيام الحكومة بإقرارها، في محاولة لمنع مرورها.

ومن المعروف أن الخطوط العامة للصفقة تبلورت بضغط أميركي، ما يجعل رفض إسرائيل سببا لتوتير العلاقات أكثر بعد مع حكومة نتنياهو، خصوصا إذا تبيّن أن العائق والمعرقل هم بن غفير وسموتريتش وأنصارهما في الحكومة وفي الكنيست.

كما أنه من شأن ذلك أن يزيد الهوة بين موقفي المؤسستين السياسية والعسكرية الإسرائيليتين، ويفاقم الخلافات القائمة بينهما اصلا.

Exit mobile version