سبقت حكومة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين دول العالم أجمع في الترحيب بانتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، وهو القادم من سوق المضاربة العقارية والرشوة، ناقص الثقافة والمعرفة بأحوال الدنيا، خلفاً لواحد من أهم من شغل هذا الموقع في التاريخ الأميركي، باراك أوباما.
ولن تؤثر مواكب الملوك والشيوخ المذهبين ورؤساء المصادفة من القادة العرب الذاهبين لتهنئة ترامب والتبريك لمواقفه، بما في ذلك إعلانه دراسة الاستجابة لمطلب رئيس حكومة العدو الإسرائيلي نتنياهو نقل السفارة الأميركية إلى القدس بوصفها “العاصـــمة الأبدية لدولة إسرائيل”.
أنها اللحظة القدرية المناسبة لإسرائيل كي تقوم بخطوة حاسمة في طمس هوية فلسطين ومصادرة قدسها الشريف وأسرلتها وانتزاع اعتراف دولي بها كعاصمة لهذا الكيان الاستعماري الاستيطاني الذي زرعه التواطؤ الدولي مع المشروع الصهيوني في قلب الوطن العربي لتدمير هويته الجامعة وتمزيق عرى القربى ووحدة المصالح والمصير بين أقطاره، مشرقاً ومغرباً، وتزوير هوية المنطقة والأمة.
فالعرب في شغل شاغل عن فلسطين ومصيرها، لأنهم منهمكون في القتال الشرس ضد بعضهم البعض، يسلحون العصابات المسلحة ضد الأنظمة التي تخالف نهجهم التفريطي بمصالح الأمة، ويتغاضون عن اجتياحات “داعش” لجنبات العراق وسوريا تمهيداُ لإقامة دولة خلافتهم الإسلامية المزعومة، فإذا حاولوا إدعاء الاعتدال وجهوا الدعم إلى “جبهة النصرة” المنبثقة من القاعدة، والتي لا تختلف عن “داعش” إلا في التفاصيل.
*****
هكذا يوجه ترامب واحدة من أوائل الدعوات الرسمية إلى رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي نتنياهو، واعداً بحسم قراره حول مستقبل القدس في اقرب وقت ممكن، بينما يعلن السفير الأميركي لدى العدو الإسرائيلي انه سينتقل قريباً إلى فندق في القدس المحتلة ليتخذ منه سكنا ..
بطبيعة الحال ، لن تؤثر هذه المواقف على “نفاق” الملوك والرؤساء والأمراء والشيوخ العرب وإلحاحهم على ضرورة تقديم واجب الطاعة والولاء للرئيس الأميركي الجديد، بغض النظر عن موقفه من القدس وفلسطين جميعاً ومخاطر تذويب هويتها التي لا هوية لها غيرها وتشريد من تبقى من شعبها فيها.
إن الأنظمة العربية تكاد تخرج العرب من التاريخ والجغرافيا معاً وهــي مطمئـنة إلى أن “الدول” التي كانت تشكل ضمانة بالحد الأدنى لاحتمال مواجهة توسع الاحتلال الصهيوني لفلسطين تتعرض حالياً لمخاطر التفتيت بالحروب من الخارج أو الحرب الأهلية في الداخل، أو هي ترزح تحت أثقال العجز عن إطعام شعبها، أو هي تعاني من حروب الأشقاء على إخوتهم الفقراء في اليمن، أو أنها قد اختفت كلياً عن الخريطة كما الحال مع ليبيا.
وماذا تريد إسرائيل أفضل من هكذا أنظمة عربية فاشلة مستعدة لأن تبيع دولها وتسترهن شعوبها بالديون في حين تغتال الدين بالفتن الطائفية، كي تقوم بخطوتها الحاسمة من أجل تهويد القدس وضمّها إلى دولتها التي قامت بالعدوان وتستمر به؟
حيّ على الكفاح، حيّ على الجهاد، حيّ على العرب والعروبة بمسلميهم والمسيحيين.
نشر هذا المقال في السفير العربي بتاريخ 25/1/2017