… ولكن «جلسة الأنس» لمَّا تنتهِ، يا أبا جاد، فلماذا تغادرنا مبكراً، وقد عودتنا أن تكون «المدبر» و«المنظم» ومن يختار المواقع والمقاعد والطعام والشراب، مراعيا «الأصول» ومراتب الصحبة وظرفهم وشغفهم بالنغم والصوت الشجي؟!
كنت تريد الحياة «عريضة» و«مليئة» و«مبهجة»، متخطيا المصاعب وشروط السلامة الصحية، معتمدا قاعدة «لا أحد يغادر إلا في موعده المحدد سلفا، ومن خلف رغبته أو إرادته».
أيها الذي عاش كما أَحَبَّ أن يعيش: أَحَبَّ الناس، فشطب من مجالسه المزعج و«الحسيب» والذي يكنز الثروة وكأنه يعيش إلى الأبد.
ولأنك كنت تعرف أن الحياة أقصر مما نحب فلقد حاولت أن تجعلها ممتعة ومبهجة، ولو قصيرة ومليئة.
يا ابن الوردانية، الذي اقتحم الجامعة اللبنانية دارساً، وانخرط في العمل المصرفي موظفا، فلما فهم «اللعبة» ذهب إلى العمل الحر منهمكا في نسج شبكة واسعة من الأصدقاء والخبراء وحملة أسرار السوق…
ولقد أخذك الحب في الجامعة، يا نبيل الحاج، إلى دمشق، وإلى أسرة عريقة فيها، آل شبؤون، فاقترنت بشريكة العمر هالة التي ارتضتك كما أنت، بعدما حاولت تعديل فلسفتك في الحياة ففشلت، وهكذا دخلت معك فيها، وأعطتك أسرة جميلة… ثم زادت أسرتك بالمصاهرة التي تمددت من الوردانية إلى البقاع والشمال مروراً بالضاحية: مع أحمد طلال سلمان، زوجا للارا، ومروان ناصر زوجا لياسمين، وزينة إيلي فرح من الكورة زوجة لجاد.
على أن «جدو نبيل» كان أهم شخصياتك وأقربها إلى قلوب الأحفاد.
ما يعزينا أنك عشت عمرك كما تحب أن تعيش، وأنك رحلت حين قررت الرحيل، تاركا لنا الحزن، رجالاً ونساء، وصبايا الورد وطلالات المستقبل. رحمك الله يا أحب أطيب الناس وأنفعهم للناس: نبيل الحاج، ابن الوردانية الذي أرجأ بناء بيته فيها على أساس أن في العمر مساحة بعد، لكن القدر كان له قراره، فأخذك من محبيك مدعيا أنه ينفذ قرارك.
اطمئن: لقد عوض الحاج أبو رضا وقاضي القضاة حسن وسائر عائلتك وأهل الوردانية بعض غيابك، لكن مكانك لا يمكن أن يشغله أحد.