طلال سلمان

مونديال من اجل فلسطين

إنه المونديال…
ولأنه المونديال فإن المتابعة الجماهيرية الواسعة في غزة تحديداً لها معنى توكيد إرادة الصمود، بل التحدي: لكأنما يقول الفلسطينيون هناك، المحاصرون والمحصورون بين صواريخ الطائرات وقذائف المدفعية الإسرائيلية إنهم في أرضهم ثابتون، وإنهم لن يستسلموا ولن يتخلوا عن حقهم في أن يكونوا مواطنين أصحاب حق في دولة، ولو على قسم من أرضهم…
لكأنما يقول الفتية الذين وُلدوا رجالاً، والفتيات اللواتي تعوّدن أن يواجهن الموت الإسرائيلي قبل أن يتذوقن طعم الحياة، إن اغتيال الأطفال والأمهات وقتل الشباب والكهول، واعتقال الوزراء والنواب بالعشرات وسجن المناضلين بالآلاف، وتدمير المنازل والفصل بين الفلسطينيين وأرضهم بجدار العنصرية الإسرائيلية… إن كل ذلك لن يجعل هذا الشعب الذي كتب ويكتب أروع الصفحات في تاريخ الجهاد ضد الاستعمار الاستيطاني، يرفع يديه مستسلماً ومسلِّماً بمزيد من التنازلات، لأن التنازلات التي قدمت باسمه ضيّعت دماء شهدائه من دون أن تقرّبه من حقه المشروع في وطنه.
إنه المونديال…
ولأنه المونديال، فإن أبناء غزة المحرومين من النور، والممنوع عليهم الذهاب إلى الشاطئ حيث يتربص بهم الموت الإسرائيلي كما بعائلة هدى غالية، والمهدد 25 ألفاً منهم بترك بيوتهم لآلة الهدم الإسرائيلية الجهنمية، اليوم أو غداً، والمهدد مجموعهم، أي المليون وربع المليون نسمة، بالجوع لاستحالة وصول المواد التموينية إليهم، ولخطر الإقفال الذي يتهدد المستشفيات بعدما شحت حتى كادت تنعدم الأدوية والأمصال وتم تدمير خزين التجهيزات الطبية…
لأنه المونديال، والحالة هي هذه، تصبح متابعة المباريات في ضوء البطاريات والمصابيح فعل إرادة، بل فعل مقاومة…
أما خارج غزة، خصوصاً، وما تبقى من الضفة الغربية بما فيها القدس، عموماً، فإن المونديال يتقدم في الاهتمام فلسطين جميعاً، على امتداد الوطن العربي…
لم نسمع خطاباً أو تصريحاً أو حديثاً لملك عربي أو رئيس، ولم نقرأ بياناً بالإدانة لحكومة (اللهم في لبنان) ولم يتحدث أحد عن جهد لعقد قمة طارئة، أو حتى اجتماع على مستوى وزراء الخارجية يتوجهون بعده مثلاً!! إلى نيويورك، مجتمعين، لفرض القضية على مجلس الأمن واستصدار قرار ما، يؤكد ويدلل على وجود دولهم وليس دولة فلسطين ولو تحت مسمى سلطة ، والعياذ بالله…
لم نشهد، أو نقرأ عن تحرك لعقد اجتماع طارئ للاتحاد البرلماني العربي، الذي ينعقد، متى انعقد، في جو احتفالي لم تشهد له الديموقراطيات العريقة في العالم مثلاً، احتجاجاً على اعتقال أكثر من عشرين نائباً فلسطينياً منتخبين وفق المعايير الأميركية للديموقراطية.
ثم أن البرلمان العربي المستولد حديثاً في حضن جامعة الدول العربية، ظل غائباً عن السمع…
لم تتحرك وفود نيابية عربية في اتجاه برلمان الاتحاد الأوروبي، مثلاً، لتطرح المسألة من زاوية تفصيلية تتعلق بالاعتداء على نواب منتخبين شرعاً، إذا استحالت المطالبة بوقف الحملة العسكرية الإسرائيلية.
إنه المونديال…ولأنه المونديال فقد انشغلت الجماهير العربية الممنوعة من العمل السياسي، والمعزولة عن الاهتمام بالشؤون الوطنية والقومية، عما يجري لغزة ولفلسطين عموماً، بالمنافسات والمناكفات والتحديات بين مشجعي هذا الفريق الأجنبي، أو ذاك، وربما حصلت معارك، وربما تمت المزايدة في الإنفاق على الأسهم النارية، وربما وقعت اشتباكات جدية وسقط فيها جرحى (وربما قتلى) انتصاراً لقدم هذا اللاعب أو لرأس ذاك.
ولأنه المونديال، فقد بقي الشارع العربي فارغاً من أهله إلا في ما ندر، وبأعداد أين منها جموع المحتشدين في المقاهي والملاهي وحيثما توفرت شاشة عريضة تنقل المباريات بتفاصيلها الممتعة يرويها المعلقون المحترفون وقد استعاروا من الحروب ومعاركها الفاصلة التعابير المثيرة.
إنه المونديال…
.. وقد نجحت إسرائيل، بخبثها المعهود، في استغلالها، فمررت عبره حملتها العسكرية الهائلة على غزة، و تسللت بطائراتها ودباباتها فخرقت الشبكات الفلسطينية والعربية بأهداف لا حصر لها، حتى لقد تمزقت الشباك!
إنه المونديال…
لا وقت عند الملوك والرؤساء لفلسطين. لا وقت عند الحكومات… بل لا وقت حتى عند الجماهير المخدرة حتى الغياب عن الوعي بالمسؤولية الوطنية والقومية لشدة ما نالها من قمع وتعذيب في السجون والمعتقلات العربية، التي تتبدى في بعض الوجوه أفظع بما لا يقاس من المعتقلات الإسرائيلية.
إنه المونديال…
ولأنه المونديال، فلا وقت لفلسطين، بل الوقت الآن لأسامة بن لادن ورثاء شهيده الزرقاوي، الذي نفذ ما يعجز عن تنفيذه الاحتلال الأميركي للعراق مباشرة، معيداً رواية القاعدة إلى منشئها الأصلي…
إنه المونديال…
ولأنه المونديال فلتهتم بأمورك الخاصة، وبالنكاية بجارك، أو زميلك في العمل: أفرغ فيه كل شحنة الغضب من عجزك الفردي وعجز دولك العديدة عن حفظ كرامة وطنك وكرامتك الشخصية أيضاً.
إنه المونديال…
تستطيع فلسطين أن تنتظر نهاية هذا العيد العالمي. ألم نتعلم في مدارسنا وفي بيوتنا أن القضية معقدة جداً وتحتاج زمناً طويلاً للوصول إلى حل لها…
والزمن عربي، كما تعرفون، فلم العجلة، والعجلة من الشيطان.
ماذا لو ينظم العرب مونديال
من أجل فلسطين؟!

Exit mobile version