نشرت في جريدة “السفير” بتاريخ 19 كانون الثاني 1975
لماذا تخاف إسرائيل من تحول لبنان من كيان إلى وطن؟
لأن لبنان الكيان، لبنان التوازن الطائفي الدقيق، لبنان الـ 6 و6 مكرر وتحالف الطوائف، هو المشروع الاستعماري القديم إياه، وهو ـ بهذه المواصفات ـ حميم النسب والصلات مع المشروع الاستعماري الآخر: الإمبراطورية الإسرائيلية. فالمشروعان توأمان، يكمل أولهما الثاني ويبرر وجوده.
وقيام لبنان ـ الوطن يشكل، بلا مبالغة، نقطة النهاية في الحلم الصهيوني ـ الإمبريالي، وفي واقع الوجود المادي للكيان الإسرائيلي.
فإسرائيل ليست وطناً ولا يمكن أن تكون. وقوة الفلسطيني الأساسية في صراعه مع الكيان الإسرائيلي إنه “صاحب الوطن الفلسطيني”. إنه “المواطن” وليس “الساكن” أو “المقيم” أو “اللاجئ” أو “الهارب من وطنه” إلى الأسطورة الميتالوجية.
إن الحقيقة هي أكثر ما يخيف إسرائيل. ولبنان الكيان أكذوبة استعمارية، أما الوطن فمن لحم ودم وتاريخ وجغرافيا وتراث ودور حضاري.
الوطن هو أنا وأنت وأهل كفرشوبا وشبعا والهبارية وكفرحمام.
الوطن هو المواطن.
الوطن هو أي بيت وكل بيت. بل هو الشجرة والصخرة ونبع الماء. هو الراعي المخطوف، وهو الجندي الجريح. هو طربيه العنز وعلي شرف الدين وولداه فلاح وعبد الله، وهو محمود قعيق.
ولبنان الوطن هو سوريا وهو المقاومة وهو مصر وحتى الآردن. هو “المواجه” و”المواجهة”. هو منهم وهم منه وله ومعه وفيه. حقه عليهم صريح وواجبهم إزاءه محدد، إذا تخلوا عنه اتهموا في وطنيتهم وإذا التزموا به لم يستحقوا جزاء ولا شكوراً.
أما لبنان الكيان فمهرب لكل راغب بالهرب، ومتكأ لكل متعب من النضال، وذريعة لكل من أراد الانسحاب من الميدان.
لبنان الكيان هو القائل: ما همني إذا اغتصب الإسرائيليون فلسطين؟! ألست أنا بخير؟..
واستطراداً يقول هذا اللبنان: فليذهب الجنوب إلى الجحيم! المهم المرفأ والمطار والبورصة وشارع المصارف وحبذا لو بقيت لي مراكز الاصطياف!
فالكيان، أخيراً، شقة مفروشة،
أما الوطن فما كان، ولا يمكن أن يكون، برسم الإيجار أو البيع نقداً وبالتقسيط!
ولبنان الوطن يخيف إسرائيل لأنه يكشف طبيعتها، ويعيد توكيد الحقيقة الأصلية: إن وجود إسرائيل هو الخطر الحقيقي والمباشر واليومي والدائم على كل لبناني، وكل سوري وكل مصري… تماماً كما على كل فلسطيني.
وعلى ضوء هذه الحقيقة الساطع تنهار الأكاذيب جميعاً من أن المقاومة هي مصدر الخطر، إلى أن القوات العربية عبء على لبنان وليست عوناً له، إلى أن التجنيد الإجباري هدر لأوقات الشباب الثمينة…
وعلى ضوء هذه الحقيقة أيضاً يفتضح أمر أعداء لبنان الداخليين، وفي الطليعة منهم أولئك المنتفعون بتأجير “الشقة المفروضة” لكل راغب يرطن بإحدى لغات أهل الفرنجة… بما في ذلك العبرية!
وهكذا يلتقي الكيانيون مع إسرائيل لطمس هذه الحقيقة وإخفائها تماماً… تحت جثمان الوطن الذي اسمه لبنان!