طلال سلمان

مذبحة تعنايل حرب اسرائيلية مفتوحة

الغارات الإسرائيلية على الموقع الفلسطيني المعزول وشبه الأعزل، البعيد أو المُبعد بمن فيه عن فلسطين، تكاد تندرج تحت عنوان »القتل للقتل«!
لقد تمّ اختيار ضحية نموذجية للاستثمار الاعلامي: فالاسم له دويّه وإن كان فعله معطلاً منذ أمد بعيد، والجريمة ستمر بلا حساب أو عقاب وإن كانت ستؤكد بالدم الفلسطيني كما بالصمت العربي قدرة إسرائيل غير المحدودة خارج فلسطين كما في داخلها، وعلى امتداد الكون ومركزه الجديد: واشنطن.
في فلسطين يتظاهر الذين هُجِّروا مرتين حتى اليوم، داخل بلادهم، وهم يحملون مفاتيح منازلهم المصادرة أو المنسوفة، ينقلها الآباء إلى الأبناء أمانة ثقيلة ومهمة أثقل وكأنهم يقرّون بعجزهم ويجيِّرون مسؤوليتهم إلى أجيالهم الجديدة لكي يبقوا في قلب القضية ولتبقى القضية في قلوبهم… مع المفاتيح!
وخارج فلسطين، تطارد الطائرات الحربية الإسرائيلية اللاجئين الذين ما زالوا يحلمون بالعودة فتقتلهم ومعهم مفاتيحهم والأحلام.
إنها الحرب ما تزال مفتوحة من طرف واحد: المنتصر قبل خمسين عاماً، أو على امتداد خمسين عاماً على العرب، بداية بقوة العالم، وربما بقوته في العالم، (وطبعاً بضعف العرب) والآن باستقوائه على العالم كله، يستوي في ذلك السلطة اللاجئة ممثلة بعرفات داخل فلسطين، أو الرئيس الأميركي وسيد الكون بيل كلينتون في واشنطن.
إنها الحرب المفتوحة، لم يهدأ أوارها لحظة، لم يخرج منها الإسرائيلي يوماً، بل هو قد وسّع ميدانها وكأنه يريد تكريس هيمنته على العالم جميعاً، فحدود إسرائيل تمتد الآن الى حيث يوجد آخر يهودي أو آخر استثمار للمال اليهودي، وليس فقط بمدى الطائرات والصواريخ الإسرائيلية.
قد يبدو التساؤل مشروعاً عن وظيفة هذه المذبحة الجديدة التي ارتكبها الإسرائيليون أمس، في تعنايل، خصوصاً في الوقت الذي كانت تجتمع فيه لجنة مراقبة »تفاهم نيسان« للبحث في اعتداءات أخرى، وفي ظل تهاوي مطالب سلطة عرفات وشحوب الدعوات الانتقامية التي تطلقها »حماس«، وانسحاب الولايات المتحدة من دورها في »عملية السلام« برمّتها، وليس من الشق الفلسطيني منها فحسب.
إن إسرائيل تستطيع ارتكاب مذبحة كهذه كل يوم، إذا كانت المعايير بحت عسكرية، وهي تستطيع أن ترتكبها ضد اللبنانيين (وقد حدث) كما ضد الفلسطينيين.
ولن تضيف المذبحة الجديدة مزيداً من الهيبة إلى صورة نتنياهو، أقله خارج إسرائيل، فمزيد من القتل لا يحوّل السفاح إلى بطل، ولا يلغي حق الفلسطيني في أرضه، حتى لو كانت المذابح الإسرائيلية قد شرّدته منها وألقته خارجها.
هل هي فقرة إضافية في سياق الاحتفالات بالذكرى الخمسين لانتصار الإسرائيليين على العرب، في فلسطين وخارجها؟!
أقسى من الغارة هو »التلقي« اللبناني ومن ثم العربي للغارة: لقد استقبلها الجميع وكأنها »حادث«، مثل انهيار منزل على سكانه، أو تدهور شاحنة بركابها، أو انفجار قارورة غاز في محل بقالة.
لا عدد الضحايا بات يستوقف أحداً،
ولا طبيعة الجريمة باتت تستفز أحداً، لا بموقعها ولا بأدواتها ولا بحيثياتها والتفاصيل »السياسية«!
وفلسطينيو السلطة ينظمون غداً مسيرة المليون لاجئ في الداخل،
وفلسطينيو الداخل ينظمون غداً مهرجاناً خطابياً لإظهار أن مَن في الداخل ما زالوا فلسطينيين، ولو حملوا الهوية الإسرائيلية.
وفي الخارج، نحتفل بتوقيع عرائض »السلام« على وقع البكائيات المموسقة والشعر الثوري الذي بات مثل صورة تشي غيفارا زينة أو رمزاً مقدساً لعهد مضى، يمكن تسويقه كسلعة اليوم مما يعطل فعله غداً.
في القدس، أمس، قتل يهودي »متطرف« فلسطينياً مسالماً فسقط مفتاح إضافي من مفاتيح »العائدين« من الداخل إلى الداخل.
وفي تعنايل قتلت الطائرات الإسرائيلية (غير المتطرفة) عشرة فلسطينيين وجرحت خمسة وعشرين آخرين ليسقط المزيد من مفاتيح اللاجئين في الخارج الممنوعين ليس فقط من العودة بل من هويتهم الفلسطينية.
وفي لندن، قبل أيام، قتل التطرف الإسرائيلي مؤتمراً دولياً كان موضوعه المساومة على عدد البيوت المتبقية مفاتيحها مع أصحابها الفلسطينيين، بعد نزع حدائقها وسقوفها ونوافذها والدروب التي تصلها بغيرها.
وفي واشنطن، أمس، نجح التطرف الإسرائيلي في الإجهاز على الدور الأميركي في »عملية السلام«، فجاءته الادارة الأميركية الى فندقه معتذرة، ومع ذلك لم يرض ولم يغفر.
والحرب مفتوحة بعد، وعلى »المسالمين بأي ثمن« أو »المهرولين« إلى سراب »السلام«، كما على الصامدين من أجل »سلام مشرف« هو في مستوى المستحيلات.
مع ذلك، ستظل المفاتيح أمانة في أعناق المحرومين من بيوتهم أو المهدّدة بيوتهم أو المهدّدين مع بيوتهم بالقتل العمد والعلني على مرأى من الدنيا جميعا.
وسيظل ثمة مَن يبيع روحه ولا يبيع مفتاحه أو يرميه مع تاريخه ولون بشرته في المزابل حتى لا تأخذه إسرائيل بجريرة المقاومة.

Exit mobile version