طلال سلمان

مطلوب حكومة يوم حتى لا يقترع لبنانيون بدمائهم

قبل عام من »الموعد الافتراضي« للانتخابات النيابية أدخلت الطبقة السياسية دماء اللبنانيين إلى بورصة المنافسات كعامل حاسم في الصراع، وبكلفة زهيدة لا تزيد بل هي قد تكون أقل من أسعار »الأصوات«!
وهكذا تتناثر دماء اللبنانيين في شوارع المدن وعلى الطرقات وفي ساحات البلدات التي كانت آمنة في ظل تآخيها حتى ضربها زلزال الفتنة فدمر علاقات القربى والمصاهرة فضلاً عن الصداقات وعشرة العمر.
لقد دخل الدم في حسابات الربح والخسارة، ولم تعد هذه الطبقة السياسية بقياداتها كما »بكوادرها« تهتم بكم يسقط من الضحايا في مواجهة هنا أو تصد للخصوم هناك… المهم حفظ بل تحسين المواقع التي تتأكد أهميتها بقدر كلفتها، وبالدم القاني!
ولدى هذه الطبقة السياسية فائض من الدم، ما دامت قد نجحت في إلغاء السياسة، ثم شطرت الطوائف مذاهب لتزيد من استثماراتها.. وها هي تشطِّر المناطق بمشروعها لقانون الانتخاب المعتق على امتداد نصف قرن، بحيث يتم الفرز المطلق بين الذين كانوا »مواطنين« في دولة ذات نظام ديموقراطي برلماني فصاروا »رعايا«، يقفون متواجهين على حساب رابطتهم الوطنية المشتركة كما على حساب مصالحهم الواحدة الموحدة.
ليس مبالغة الافتراض أن صناديق الاقتراع ستكون بمثابة حدود من نار، وأن نتائجها ستؤسس لحروب أهلية قد لا تنتهي إلا بفيدرالية طائفية ـ مذهبية في هذا الكيان الذي بحجم طابع بريد، والذي شغل الدنيا بهمومه التي لا تنتهي، وأثقلها وأخطرها الصمود في وجه الاحتلال الإسرائيلي حتى الانتصار بالتحرير، ثم المواجهة المظفرة للاحتلال مرة أخرى في حربه على لبنان قبل سنتين، والتي أسيء التعامل مع وقائعها ونتائجها بحيث أثرت تداعياتها على وحدة مجتمعه وبالتالي على دولته وهي ما تزال مستمرة، ودائماً، بأفضال هذه الطبقة السياسية.
أين يقع التأخير في تشكيل هذه الحكومة العجائبية من هذا كله؟
إن التأخير أو التعطيل بالشروط والامتحانات (الشفهية حتى هذه اللحظة!. وربما تتحول إلى خطية غداً!) إنما يصب الزيت على جمر الفتنة، خصوصاً أن »التشكيل« يتخذ طابعاً طائفياً ـ مذهبياً من ألفه إلى يائه.
الطريف إن لم نقل المريب هنا أن المرشح الوحيد الذي وضع على اسمه »فيتو« هو ذاك المنتمي إلى »حزب علماني« يكاد يكون آخر قافلة الأحزاب العلمانية التي أخلت مكانها للتنظيمات الطائفية والمذهبية حتى وهي تحتفظ بشعاراتها الجميلة المنتمية إلى عصر منقرض!
إن اللبنانيين جميعاً يعرفون أن هذه الحكومة التي تتعسر ولادتها (بقصد مقصود؟!) لن تكون هي بذاتها »الإنقاذ«، لكنها بعض أدواته. إنها المهدئ والخطوة الأولى على طريق استعادة مناخ وفاقي يسمح بمباشرة العمل لإعادة تأسيس الوحدة الوطنية. إنها »إعلان نوايا« بهجر منطق المواجهة ومحاولة تعديل موازين القوى بدماء الرعايا الممنوعين من أن يصيروا مواطنين.
هل يحتاج مناخ الاحتقان الطائفي ـ المذهبي الناجم عن سياسات المناكفة والتحدي بتكبير الصغير لتصغير الكبير، إلى مزيد من الأدلة بعد بيروت والجبل والبقاع وطرابلس (وسائر الشمال)، وكل الضحايا الذين أهدرت دماؤهم من أجل تحسين الموقع الانتخابي لهذا أو ذاك من أقطاب الطبقة السياسية (مع استبعاد مقصود، هنا، لعوامل الصراع المفتوح في المنطقة وعليها بين شعوبها والاحتلال الأميركي للعراق بكل تداعياته على وحدة شعبه وكيانه السياسي، والاحتلال الإسرائيلي وتوسعاته التي تكاد تلغي فلسطين وسلطتها المتهالكة والسلطات البديلة التي تتوهم أنها ستكون الوارثة والتي لن تعيش لترث.. مع التوكيد أن الإرث سيكون خراباً)!
ماذا يعني تأخير قيام الحكومة بشروط لا يقبلها العقل، فضلاً عن الضمير، غير الاستقواء باحتمالات الفتنة على »الخصوم«؟!
إن الدم الذي يُراق في عاصمة الشمال في هذه الأيام، والضحايا الذين يسقطون في »حرب إخوة« مرشحة للتمدد والتهام المزيد من دماء المواطنين وأرزاقهم واطمئنانهم إلى يومهم وغدهم يجب أن تشكل حافزاً إضافياً على إعلان الحكومة اليوم قبل الغد… ليس لأنها الوصفة السحرية لوقف الاشتباك، ولكن لأن اللبنانيين سيجدون في تشكيلها خطوة أولى على الطريق الطويل نحو ترميم الوحدة الوطنية…
إلا إذا كان المعطّلون يرغبون في أن يقترع الناس، غداً، بدمائهم… هذا إن بقيت ثمة حاجة للانتخابات في دولة يتصدع كيانها أمام عيون الطبقة السياسية فتواصل لعبتها الدموية دون أن يرف لها جفن، أو تتوقف لحظة لدفن ضحاياها.

Exit mobile version