طلال سلمان

مطلب لبنانيين من سعودية عودة مثلث عربي كضمانة لدولتهم

يأمل اللبنانيون أن يكون الاستقبال الملكي الذي أعده خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز للرئيس ميشال سليمان في مطار جدة، أمس، فاتحة خير لمراجعة جدية وشاملة للعلاقات بين الدولتين والشعبين الشقيقين اللذين يشدهما رباط وثيق من العواطف والمصالح المشتركة.فليس سراً أن هذه العلاقات، التي كانت دائماً ممتازة، قد شهدت في السنوات القليلة الماضية، وتحديداً بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز ،2006 بعض التحولات والتعرجات والالتباسات التي وجدت من يستثمرها في ما يسيء إلى العلاقات بين الشعبين الشقيقين ويشوّش على المصالح والعواطف معاً.ومؤكد أن زيارة الرئيس، الذي كانت السعودية من أوائل الدول التي محضته ثقتها وزكت ترشيحه، مؤهلة لأن تعيد العلاقات الأخوية إلى سياقها الطبيعي: أي إلى التعاون المفتوح بين الدولتين وبين شعبيهما الشقيقين، في ضوء مصارحة تجلي كل الالتباسات التي حفلت بها المرحلة الماضية، في ظل انشطار السلطة في لبنان، بكل ما تسبب به من صراعات فتحت الأبواب أمام كل شياطين الأرض، ووضعت اللبنانيين على شفا فتنة طائفية عمياء لا تبقي ولا تذر.وليست المساعدات، مالية أو عينية، هي ما يتطلع إليه اللبنانيون عبر هذه الزيارة الرئاسية بوفدها المتعدد الاختصاصات والطلبات…فالكل يعرف في خادم الحرمين الشريفين حبه للبنان وتقديره لكفاءة اللبنانيين الذين تشهد لهم ثورة البناء الهائلة التي يرعاها شخصياً (وبين نماذجهم المميزة الرئيس الشهيد رفيق الحريري ثم ذريته من بعده)، وحرصه على تلبية احتياجات هذا البلد الجريح، وهي تبقى »متواضعة« مهما بلغت أكلافها، لا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بأغنى دول العالم وأقواها نتيجة سوء الإدارة والمضاربات الوحشية في البورصة…بل إن اللبنانيين، وبشخص رئيسهم الذي اختاروه بالإجماع، وفي ظل رعاية دولية إجماعية غير مسبوقة، وكان بين شهود انتخابه وزير خارجية المملكة الأمير سعود الفيصل، يتطلعون إلى السعودية آملين أن توجه الدعم إلى دولته، وإلى دولته وحدها، فتعزز قدراتها كما تعزز وحدة شعبها.وإذا كان غياب الدولة الواحدة الموحدة قد جعل السعودية ودولاً أخرى، تقصر مساعداتها على »سلطة الأمر الواقع« بمختلف أطرافها، فإن هذا الوضع الاستثنائي قد انتهى مع قيام العهد الجديد برئيس الإجماع وحكومة الوحدة الوطنية، وبات المنطقي بل البديهي أن توجه المساعدات ـ وبسخاء مقصود به تعويض ما فات ـ إلى الدولة ومؤسساتها الشرعية.ونحب أن نفترض أن المسؤولين في المملكة لم يسعدوا كثيراً بمشهد الملصقات واللافتات التي رفعها نفر من اللبنانيين في شكر المملكة بعدد الدولارات التي قدمتها نيابة عن فقراء التلامذة لسداد الرسوم المدرسية…فالمملكة أكرم من أن تمنّ على اللبنانيين بمثل هذا التبرع، وأكرم من أن تقبل الشكر عليه معلقاً على الجدران وفوق رؤوس المارة.[ [ [إن اللبنانيين لا ينسون للسعودية دورها المشهود في استضافة نوابهم لمدة شهر طويل، في مثل هذه الأيام من عام ،1989 حتى توافقوا على إعادة بناء السلطة بما يحقق التوازن المنشود، ويوقف الحرب الأهلية التي كانت تنذر بتدمير الكيان ودولته ونظامه.ولقد سمع النواب، ومعهم الصحافيون، الملك الراحل فهد بن عبد العزيز، وهو يشدد على أهمية العلاقات اللبنانية ـ السورية في توطيد السلم الأهلي في لبنان.وهم يستذكرون الآن، ولعل الزيارة الرئاسية تكون فرصة للاستذكار: في كل مرة كانت السعودية مرجعاً بريئاً من شبهة الغرض، كسبت وكسب اللبنانيون وكسب العرب جميعاً. فالمملكة تكسب كثيراً عندما تنأى بنفسها عن أن تكون طرفاً. وهي لا تحتاج إلى التوغل في الداخل اللبناني بتشابكاته المعقدة. فكلما تدخلت خسرت، وكلما نزهت نفسها عن أن تكون طرفاً كسبت وكسب لبنان، بل وكسب العرب جميعاً. ودروس التجربة السورية مع اللبنانيين ناطقة.من مصلحة السعودية أن ينظر إليها اللبنانيون جميعاً كساع بالخير بينهم، وكعامل قوي في تدعيم وحدتهم. لا غرض لها، ولا حزب يحسب نفسه عليها. تلتقي قيادتها الجميع وتسمع من الجميع بنزاهة الأخ الشقيق الحريص على الأخوّة العربية وعلى السلامة العامة والوحدة الوطنية التي كانت وستبقى رصيداً للعرب جميعاً.إن سوريا، وهي الجار الأقرب والمتشابكة مصالحه مع لبنان في الأمن كما في الاقتصاد، وفي السياسة كما في السياحة، كانت كلما توغلت في الشؤون الداخلية وغاصت في تفاصيلها تخسر من رصيدها، وكلما ترفعت وحافظت على مسافة مع أطراف الداخل تكتسب مزيداً من التقدير ومشروعية التعاون في إطاره القومي.[ [ [على هذا »فبُعد« المملكة ميزة، لأن القرب يثير حساسيات لا حصر لها، ويغري بالتوغل في تفاصيل منهكة ولا طائل منها.ولا يقبل اللبنانيون للسعودية موقف الطرف في صراعاتهم الداخلية.لقد كانوا يأملون منها، دائماً، أن تترفع عن المخاصمة، وأن تنزه نفسها عن الانحياز لطرف. وعندما هبت عليهم رياح الفتنة أملوا منها أن تترفع عن ترك الآخرين يصورونها مع أطراف وضد أطراف.ويذكر اللبنانيون للسعودية، ممثلة بمليكها، أنها حاولت أن تلعب، وفي أكثر من مناسبة، دوراً في رأب الصدع داخل الحكم في لبنان، فرعت أكثر من لقاء بين الأطراف المختلفة، وكادت تنجح لولا تدخل قوى عظمى كانت لها مصلحة في تفاقم الخلاف الداخلي.وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن القيادة السعودية قد دعت واستقبلت في أكثر من مناسبة، وفوداً من قيادة »حزب الله«، خصوصاً بعد سوء التفاهم الذي نجم عن التقييم المتعجل لحرب تموز والمتسبب فيها… وكان السفير السعودي في بيروت الدكتور عبد العزيز خوجة على تواصل دائم وعلاقة طيبة مع قيادة الحزب، كما مع الرئيس نبيه بري، الذي زار المملكة وبدعوة رسمية أكثر من مرة خلال السنوات الثلاث الماضية، تماماً مثلما كان يحرص على العلاقة الطيبة مع سائر الأطراف السياسية في لبنان الذين تناوبوا على زيارة المملكة ولقاء مسؤوليها.وأهمية علاقة التواصل والحوار قد أثبتت حيويتها في مناسبات عدة كاد »الشارع« في بيروت وأنحاء أخرى متفرقة من لبنان، يشتعل بصراع مذهبي قاتل.كما أن علاقة التواصل والحوار قد أثبتت جدواها في مواجهة العملية الإرهابية التي شنها تنظيم »فتح الإسلام« على الجيش (وعلى المواطنين اللبنانيين واللاجئين الفلسطينيين معاً) انطلاقاً من مخيم نهر البارد، بكل ما رافقها من تقديرات وتفسيرات واشتباهات واستنتاجات، بريئة أو مضلِّلة، فزادت الأمر تعقيداً… وخصوصاً أن ذلك التنظيم المتعدد الولاءات والانتماءات لم ينته مع انتهاء العملية العسكرية المكلفة، بل ما زالت بصماته تظهر ـ بين الحين والآخر ـ على بعض التفجيرات والاغتيالات الجماعية المنظمة لأفراد من الجيش اللبناني (خارج الخدمة)، بدليل الشبكة الجديدة التي ألقي القبض على بعض عناصرها يوم أمس، وقبيل إقلاع طائرة رئيس الجمهورية من مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت.[ [ [إن أهم مطلب للبنانيين من المسؤولين في المملكة العربية السعودية، كما كان مطلبهم من الأشقاء السوريين، أن يستعيدوا ـ عبر لبنان وفيه ـ علاقات التعاون الأخوي بينهم… فالعلاقات السوية بين هذين الشقيقين الكبيرين والمؤثرين هي بين ضمانات قيام الدولة القوية في لبنان، ولا سيما أنها بين ضمانات الوحدة الوطنية فيه… هذا فضلاً عن كونها بين ركائز الجهد المشترك لحماية الحاضر العربي المهدد بالتيه، فضلاً عن المستقبل العربي المهدد بالتبدد والاندثار.ولقد عرف لبنان أزهى سنوات الاستقرار في ظل الدولة الواحدة الموحدة عندما كانت علاقات التعاون مفتوحة وطيدة بين المثلث العربي المكين: سوريا، مصر والسعودية.بالمقابل فإن لبنان قد دفع غالياً ثمن اختلال العلاقة بين أطراف هذا المثلث العربي الذي يعطي المعنى للعمل العربي المشترك.والرئيس ميشال سليمان مرشح للقيام بدور مهم، بل وتاريخي، إذا هو استطاع فتح الأبواب الموصدة بين الأشقاء، مستفيداً من رصيد لبنان، كضرورة عربية، ومن خوف الجميع عليه من نار الفتنة التي لن يمكن حصرها، إذا ما أعيد تفجيرها لا سمح الله، في حدود مساحته الضيقة. وقد يساعد في إنجاز المهمة أن الرئيس سليمان سيتوجه بعد أسابيع قليلة إلى المحطة العربية الثالثة في جولته العربية: مصر.ولعل خادم الحرمين الشريفين الذي طالما أكد حبه للبنان وللبنانيين يكون صاحب المبادرة في الاستجابة لهذا المطلب ـ الضمانة للبنان الدولة والشعب.

Exit mobile version