يعود المؤتمرون اليوم إلى طاولة الحوار في مبنى المجلس النيابي وقد سبقتهم إليها نقاط الاختلاف التي كانت قد واجهتهم فارتأوا رفع الجلسات للتشاور ولإعادة تحديد المواقف في ضوء ما توصلوا إليه في الجولات السابقة.
بين ما يطمئن الناس أن أياً من القيادات السياسية المشاركة لن يرغب في تحمّل المسؤولية عن انهيار المؤتمر الذي لم يكن له من مبرّر إلا السعي للوصول وبالحوار تحديداً إلى قواسم مشتركة أو إلى »تفاهمات« بحسب »اللغة الأميركية« المعتمدة حديثاً في العالم ذي القطب الأوحد..
وليس للمؤتمر »روزنامة« تحكمه بمدى زمني محدّد، برغم أن الضرورة فرضت له وعليه جدول أعمال محدداً، وهو جدول طويل إذ يتضمن المسائل الخلافية التي تأخر علاجها فباضت وأفرخت تباينات وتعارضات جديدة لامست حدود البديهيات، ودفعت بالبلاد إلى حافة الغرق في مسلسل من الفتن بعضها »صُنع في لبنان« وبعضها الآخر يجيء من بؤر الاشتعال التي اصطنعها أو تسبّب فيها الاحتلال أميركياً في العراق وإسرائيلياً في فلسطين.
لا تكفي الحنكة التي جعلت للمؤتمر ثلاثة عناوين لقضايا جوهرية تجتمع فيها المسائل الخلافية جميعاً لطمس حقيقة أن كل عنوان تتفرّع عنه عناوين متعددة، وأن التوافق على التفرعات لا يقود حتماً إلى حسم الخلافات الأصلية برمتها.
وكما أن طرح أي موضوع من خارج جدول الأعمال، في أي محفل، من شأنه أن يثير اعتراضات وارتباكات، وربما يدفع البعض إلى إعادة النظر في ما كان قد وافق عليه من قبل، لكن ما يطمئن أن أحداً من المؤتمرين الذين ارتضوا تحمّل المسؤولية الشاملة عما يعاني منه لبنان، شعباً ودولة ومؤسسات، لن يرغب بأن يخرج إلى الناس معلناً فشل المؤتمر، حتى لو وجّه إلى الآخرين الاتهام بإفشاله… فاتهام الآخر لا يعني بالضرورة تبرئة الذات!
ذلك أن الكل شركاء في المسؤولية عن المؤتمر ونتائجه: النجاح سيأتيهم بالجوائز وأولها الإقرار بجدارتهم بالقيادة والأهلية للخروج بالبلاد من مأزقها الراهن إلى بر الأمان… وبالتالي إلى إعادة صياغة السلطة بمؤسساتها جميعاً على قاعدة ثابتة من الوفاق الوطني الذي يفتقده اللبنانيون منذ سنوات.
ولسوف يكون صعباً على أي من المؤتمرين أن يتنصّل من المسؤولية عن الفشل وحصر التهمة ببعض الأطراف: فهم ما تلاقوا إلا لكي يتفقوا فيتوافقوا وليس لكي يتبادلوا وجهات النظر التي لكثرة ما سمعها الناس منهم وعنهم نسوها أو هم تناسوها حتى لا يسلِّموا بأن أبواب الأمل قد أُقفلت وليس على هؤلاء الرعايا المتروكين لريح الأمزجة والرغبة في الانتقام من الماضي ولو باغتيال المستقبل، إلا مغادرة البلاد لحماية غدهم.
هل من الضروري التأكيد أن اللبنانيين قد علّقوا أهمية قصوى على لقاءات القيادات السياسية التي يفترض أن بيدها الحل والعقد، مع وعيهم بأن »الدول« عربية وأجنبية لن تتدخل جدياً إلا بعد اطمئنانها إلى أن هذه القيادات قد توصلت إلى أقصى ما تستطيعه بالنسبة للداخل وبالتالي فقد حان أوان فتح الأبواب المغلقة في الخارج، وأخطرها باب دمشق لما له من تأثير على الداخل..
ما لم ينجز المؤتمرون »واجباتهم« فلن يتحرك أحد، لا من بين القادرين عربياً وهم طرفان لا ثالث لهما، ولا من القادرين دولياً وهم طرفان لا ثالث لهما… والكل في هذا الموقف واحد!
والفشل أكثر من جريمة، إنه خطأ سياسي فادح.
والجميع بحاجة إلى إعادة قراءة خريطة التحوّلات في المنطقة من حولنا، بأبعادها العربية والدولية.